كيف سمم الإخوان السبسي بـ"الأشعة"؟.. سياسي تونسي يكشف لـ"العين الإخبارية" المستور
ملفات شائكة يفتحها السياسي التونسي محمد الهنتاتي تغرس سهاما بقلب الإخوان؛ التنظيم الذي خبر كواليسه قبل أن يكتشف حقيقته المرعبة.
وفي مقابلة مع "العين الإخبارية"، تحدث الهنتاتي - الذي انتمى في وقت سابق لحركة "النهضة"؛ فرع الإخوان في تونس لكن نشاطه اقتصر على الجانب الدعوي والاجتماعي- عن استهدافه بمحاولة اغتيال، متهما زعيم التنظيم راشد الغنوشي "رأسا" بذلك.
الهنتاتي تطرق أيضا إلى ملف "وفاة" الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي، مؤكدا أنه اطلع على التقرير الطبي العسكري الذي تضمن أنه اغتيل عبر تسميمه بإشعاعات فلاشات التصوير القاتلة.
السياسي التونسي عرّج أيضا على صندوق الإخوان الأسود، وقال إن لديهم 3 أجهزة سرية، محذرا في الآن نفسه من أن فتح ملفاتهم قد يدفع نحو ردود فعل بجميع الأشكال في إشارة ضمنية إلى أسلوب الهجمات الإرهابية التي عادة ما تشهدها تونس حين يضيق الخناق على التنظيم.
ومحمد الهنتاتي؛ سياسي وداعية إسلامي، كان منتميا لحركة النهضة وسجن بسبب انتماءاته وتوجهاته، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في القرآن الكريم وعلومه من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة، ويستعد للمشاركة في الانتخابات القادمة.
محاولة اغتيال
الهنتاتي كشف عن تعرضه لمحاولة اغتيال في المدة الماضية، متهما الغنوشي بالوقوف وراء ذلك على خلفية اتهامه له بالإرهاب.
وقال: "أدين رأسا أكبر حزب في الإجرام بالبلاد وهو حركة النهضة، وأدين رأسا راشد الغنوشي رئيس الأجهزة السرية الثلاث لحركة النهضة، إذ لا أحد يستفيد من قتلي إلا هؤلاء، ولا أحد يفتي بقتلي إلا هذا الشيخ الزاعم للعلم والمشيخة لأن ليس لي أي عداوة مع أي جهة" أخرى.
ومستعرضا تفاصيل يوم محاولة اغتياله، أضاف: "توضأت وخرجت لأداء فريضة صلاة الفجر في المسجد، لكني فوجئت وأنا على متن سيارتي أن المكابح لا تعمل رغم أن سيارتي كانت مغلقة، ولاحقا تأكدت من مختص بأنه تم قطع الفرامل والمكبح ومكبح النجدة ولو لا ألطاف الله لكنت قتلت".
تسميم السبسي
بالمقابلة نفسها، عاد الهنتاتي على ملف "وفاة" السبسي، مؤكدا أن الرئيس الراحل "قُتل واغتيل وأن وفاته لم تكن طبيعية".
وقال: "لم أطرح هذه النقطة منذ أيام فقط بل قبل ذلك بكثير من خلال لايفات (بث مباشر) عبر موقع فيسبوك وفي كثير من المقابلات، والدولة التونسية كانت على علم بهذه المسألة وأخص بالذكر رئيس البلاد قيس سعيد الذي كان على علم بذلك".
وأوضح أن "فتح الملف في السابق كان سيفتح أبوابا لم يستعد (سعيد) لها بعد، إذ أن الرجل لم يسبق له تقلد أي منصب في الدولة التونسية وليست له أي علاقة أمنية أو عسكرية بالمؤسستين العسكرية أو الأمنية، لذلك تحيّن الفرصة المناسبة لفتح هذا الملف، أي أن الباجي قائد السبسي اغتيل وقتل".
وتابع: "لدي كل ما يثب ذلك وهو التقرير الطبي العسكري الذي اطلعت عليه شخصيا، ولدي قانون يحميني وهو قانون النفاذ للمعلومة، ولم آخذ نسخة منه لأن ذلك يعد جريمة إلا أنني اطلعت عليه وتأكدت أن السبسي قتل".
ولفت إلى أن "السبسي قتل عندما أعلن صراحة ويا ليته لم يفعل ذلك قبل أن يبدأ، أنه سيفتح ملف الجهاز السري لحركة النهضة، وقد اتعظ قيس سعيد من الخطأ المصيري الذي ارتكبه الراحل عندما تكلم قبل أن يبدأ، لذلك صمت ولم يتكلم ولم يتفاعل وبقي صامتا وكتوما حتى تحين الفرصة وكانت مناسبة لإثارة هذا الملف".
وفي 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، فتحت السلطات التونسية تحقيقا في ملابسات وفاة السبسي بعد ما أثاره الهنتاتي خلال برنامج تلفزيوني بثته قناة خاصة، حول وفاة الرئيس السابق في 25 يوليو/تموز 2019 عن عمر ناهز 92 عاما.
وأكد الهنتاتي أن "التقرير الطبي أثبت أن السبسي رئيس البلاد المباشر لمهامه وقائد القوات المسلحة تسمم بإشعاعات فلاشات التصوير القاتلة"، لافتا إلى أن "التسميم وقع في القصر الرئاسي وتحقق موته بفعل ذلك التسميم تم في المستشفى العسكري بالعاصمة".
وطريقة القتل عن طريق إشعاعات فلاشات التصوير تتمثل في ضخ كمية قاتلة من الإشعاع النووي عن طريق مختبرات عبر فلاش ضوئي معد لهذا الغرض ومحمل بمادة البولونيوم في شكل عملية تصوير تبدو عادية.
واستدرك الهنتاتي: "نحن لا نتهم المؤسسة العسكرية ولا الطب العسكري بذلك، وإنما نتفهم كتمان المؤسسة العسكرية في تلك اللحظة لظروف وملابسات هذا الخبر، والحمد لله جاء الوقت حيث تفضلت المؤسسة العسكرية بمد مجلس الأمن القومي الذي ترأسه قيس سعيد بهذا الملف، والذي أذن بموجب المرسوم 117 لوزيرة العدل ليلى جفال بإثارة الدعوى، وفعلا فتح التحقيق الجدي وهذا دليل على جديته".
ولفت إلى أن "النيابة العامة بتونس راسلت المستشفى العسكري لمدها بهذا الملف"، معربا عن سعادته بفتح التحقيق.
أجهزة سرية
الهنتاتي أن حركة النهضة تشكل الواجهة السياسية والتجارية من الخارج، لكن لديها 3 أجهزة سرية في الداخل وهي جهاز مالي، وآخر عسكري، وثالث مخابراتي.
وتابع موضحا: "أعلم الرأي العام التونسي والعربي والعالمي أن حركة النهضة لم توقف يوما أجهزتها السرية، بل بالعكس ازدادت تنظيما وتقنينا وهيكلة بعد الثورة لأنها اليوم تحتاج لجهازها السري أكثر من أي وقت مضى، والآن وبعد قرارات 25 يوليو (تموز) الماضي فإن تلك الأجهزة تشهد حالة استنفار قصوى وعلى أهبة الاستعداد في كل الاتجاهات وعلى كل الأصعدة لتنفيذ الخطة أ وب، كلها موضوعة على الطاولة."
وأكد أن "الغنانيش (أنصار الغنوشي) كانوا مستعدين قبل سقوط 25 يوليو لفعل كل شيء من أجل زيادة لحظة أخرى في الحكم، واليوم أصبح عندهم صراع وجود يقتضي بالنسبة لهم إراقة الدماء وإزهاق الأرواح".
وفي 25 يوليو/ تموز الماضي، أصدر الرئيس التونسي قرارات استثنائية استنادا إلى الدستور وتلبية لمطالب التونسيين، تقضي بتجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحومة الموالي للإخوان هشام المشيشي.
ويعتقد الهنتاتي أنه "لم يعد للإخوان أي معنى في الحياة السياسية للتونسيين إلا عبر ممارسة الأعمال الإجرامية، وأنا كشفت في السابق الجهاز السري لحركة النهضة وقدمت للرئيس الرئيس قيس سعيد تقارير وملفات كبرى تؤكد إدانتهم وبقي الرئيس كل هذه المدة لفحصها وعندما تأكد منها تحرك على أساسها وأنا سعيد بذلك".
وأكد الهنتاتي يقينه من أن "هؤلاء (الإخوان) مستعدون لرد الفعل بأي طريقة حتى بشكل عشوائي، لذلك أهيب بالمخابرات والمخابرات العامة المدنية وبالقوات الحاملة للسلاح وبالشعب التونسي أن يكون مساندا كما كان في 25 يوليو الماضي."
الغنوشي بعين أخرى
يرى الهنتاتي أن الغنوشي في الجانب السياسي لم يكن يوما ديمقراطيا لا في ذاته ولا في صفاته ولا داخل حزبه، معتبرا أنه بالنظر لهياكل حركة النهضة من الداخل، كان ذلك مضيعة للوقت لأنها لم تعد موجودة ومحقت وسحقت وذوبت من الساحة السياسية وهي آخر معاقل الإخوان.
ومستدركا: "لكن الجانب السري خاصة في جانبه العسكري والإجرامي والإرهابي أن الغنوشي اليوم فاقد لكل شيء رغم امتلاكه لكل شيء ورغم بقايا آثاره في مؤسسات الدولة".
وحذر من أن "ما فعله قيس سعيد اليوم يكلفه حياته، ولذلك على الأمن الرئاسي أن يرهب درجة اليقظة في حماية رئيس البلاد باعتباره وضع يده على أخطر ملف كلف السبسي حياته".
وأكد: "أنا وقيس سعيد على رأس قائمة الاغتيال الجديد في الجهاز السري لحركة النهضة، وأنا لا أريد أن أتباكى مثل ما يفعلون لكن صدقا أنا مهدد بالقتل واستهدافي هو استهداف لعائلتي الصغيرة ولعائلتي الكبيرة تونس، وأهيب اليوم بطلب الحماية بصراحة لأنني لم أعد ملك نفسي وتواصلت مع الرئاسة بهذا الصدد، وربما أتمكن من الحصول على حماية لصيقة في الوقت القريب"، على حد قوله.
عين من الداخل
وفي معرض حديثه عن مسيرته وانتمائه السابق للنهضة، قال الهنتاتي "أنا لا اخفي أني انتميت للحركة في سابق السنوات، وكنت حينها أنشط في المجال الدعوي الذي يضم الدراسات الشرعية والعلمية وفيه الدعوى والاستقطاب من المحل الديني، كما كنت أنشط في المجال الاجتماعي بمساعدة المساجين وفي رعايتهم وتعليم أبنائهم".
واستدرك: "لكن ذلك لا ينفي أنني اطلعت على الكثير من الأشياء التي لم أكن لأطلع عليها لولا فضولي ولولا معاينتي ومباشرتي لبعض ممن اختفيت معهم خلال فترة الاختفاء والسجن والمراقبة الإدارية، والثقة التي عندي في الإدانة حسب تصوري طبعا من منطلق علمي بالشيء واطلاعي على الشيء وإن لم أكن طرفا فيه ولكنني كنت مطلعا عليه ومعاينا له".
وبالنسبة له، فإن "الثقة تتأتي من احتسابي بأن أجلي بيد الله ورزقي بيد الله وأن تونس تكفل بها الله، لذلك لا أخشى منهم أحدا"، مشددا على أنه لا يردي أن يردد أحدهم أمامه عبارة "الحركة الإسلامية" عند الحديث عن النهضة.
وقال عن ذلك: "حاشى لله أن يكون الإسلام مدعاة للإجرام وللإرهاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن المسلم من سلم الناس من يديه ولسانه".
ومضى يقول: "لو توفيت قبيل الثورة ولو بربع ساعة لمت معتقدا أن الغنوشي صحابي جليل أو تابعي أو صومعة علمة وصلاح واستقامة ويريد الخير للبلاد والعباد، لكن بعد الثورة تبين بالكاشف أن هؤلاء لا علاقة لهم بالتونسة ولا بالإسلام ولا بأي مراعاة لخصوصية إنسانية الانسان في التعاطي أو التعامل".
وفي منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد بشكل صريح عن "مؤامرات" تحاك ضد بلاده، وعن مخططات لاغتيال عدد من المسؤولين.
وحينها، حذر سعيد، خلال إشرافه على اجتماع مجلس الوزراء، التونسيين "مما يدبر اليوم من قبل بعض الخونة، الذين باعوا ضمائرهم للمخابرات الأجنبية يخططون لاغتيال عدد من المسؤولين وهناك مكالمة هاتفية تتحدث عن يوم الاغتيال."
ولا تبدو الأيادي الإخوانية بريئة من مخطط الاغتيالات، حيث سبق أن ألمح الرئيس التونسي عقب آخر تهديد له بالتصفية الجسدية في أغسطس/آب الماضي، بأنه يتهم أطرافاً سياسية مرجعيتها دينية متطرفة، بالسعي إلى تدبير ما وصفه بمحاولات يائسة تصل حد التفكير في الاغتيال.
وتمكنت السلطات الأمنية التونسية، حينها من الإطاحة بإرهابي خطط لاغتيال الرئيس خلال زيارة كان سيؤديها إلى إحدى المدن الساحلية، الواقعة شرقي البلاد.
aXA6IDMuMTQ5LjIxNC4yMjMg جزيرة ام اند امز