إخوان تونس في "حرب الأفول".. ماذا بعد؟
لم يتبقَّ لإخوان تونس المتهاوين من صرح السلطة بقرار شعبي سوى اللجوء لورقة الفوضى والإرهاب أو التلويح بحرب أهلية تزج بالبلاد إلى مربع العنف.
ضربات متتالية دحرت التنظيم في أحد معاقله بشمال أفريقيا، وأجبرته على الانحشار بزاوية ضيقة معلقة بين السلطة وهامشها، عقب تدابير رئاسية استثنائية جمدت عمل البرلمان الذي كانوا يهيمنون على تركيبته، وأطاحت برئيس الحكومة السابق الموالي لهم.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل بدأت الملاحقات القضائية ضد نواب من التنظيم وحلفائه، وفتحت تحقيقات ظلت معلقة بأوامر منه للتغطية على ملفات فساد تمس الأمن الاقتصادي وحتى القومي للدولة، قبل أن يقرر الرئيس قيس سعيد إعفاء أعضاء ديوان رئيس البرلمان- زعيم الإخوان- راشد الغنوشي من مهامهم.
وبالتوازي مع ذلك، كلف سعيد نجلاء بودن بتشكيل حكومة قطعت مع الولاءات الحزبية، وأعادت للمرأة اعتبارها من خلال محاولة تجسيد مبدأ المناصفة، حيث تضمنت 10 نساء بما فيهن رئيسة الوزراء.
حتى هنا، يبدو النهج التصحيحي يمضي نحو أهدافه بشكل سلس، لكن الأخبار الواردة من وزارتي الداخلية والعدل وحتى من مصادر أمنية، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، تشي بأن هناك مسارا موازيا ينشد تقاطعا مميتا مع تدابير الرئيس.
جس نبض
حين أعلن سعيد قراراته الاستثنائية في 25 يوليو/تموز الماضي، دعا الغنوشي وعدد من قيادات الإخوان أنصارهم للنزول إلى الشوارع، على أمل تحقيق تعبئة يستعرضون من خلالها قواعدهم ويتخذون من ذلك دعائم لشرعيتهم الزائفة.
لكن، لسبب أو لآخر، خذلهم الشارع المحبط حينها، ورابض الغنوشي وحيدا أمام مقر البرلمان يطرق أبوابه المغلقة والمحروسة من قبل الجيش، لا يقشع وحدته سوى عدد قليل من حاشيته ممن تكبدوا عناء مغادرة منازلهم لدعم "شيخهم".
خذلان حاول الإخوان تجاوزه في مرحلة أولى، ولعبوا على ورقة نفاذ صبر شعب استنفذوا قدرته على التحمل حتى بات يطالب بتغيير آني يصعب تحقيقه في ظل تركة ملغومة لعقد من حكم التنظيم.
ولذلك، حاول الإخوان الحشد مرة أخرى، كان آخرها الأحد الماضي، في تحركات أرادوا عبرها جس نبض الشارع من جهة، واختبار جاهزية الأمن من جهة أخرى، وهذا ما أثبتته المناوشات المفتعلة من قبل محتجين في شارع الحبيب بورقيبة بقلب العاصمة، في محاولة لاستفزاز قوات الأمن المنتشرة، ومن ثمة تحويل المظاهرات إلى اشتباكات كانت غالبا ستقود نحو نتائج كارثية.
الخطوة المقبلة؟
ماذا بعد كل ذلك؟ هذا هو السؤال الأهم الذي يطرح نفسه في خضم تطورات المشهد التونسي.. هل سيرضخ الإخوان بهزيمتهم ويقبلون بالخروج من الباب الصغير مثقلين بهزائمهم السياسية وخسارتهم لخزانهم الانتخابي ودعم الشارع؟
قطعا لا، فالملم بفكر التنظيم يعرف أنه لا مجال لأن يتركوا السلطة إلا بالدم، وهذا النهج هو أساس أدبياتهم المبنية على القتل والاغتيال لتحقيق أهداف تتعلق بالحكم، وإن يحاولون تغطية كل ذلك بعباءة الدين للتعاطف والاستقطاب.
محللون يتوقعون أن تكون الخطوة المقبلة لإخوان تونس هي التظاهر أمام مقر البرلمان، والأمر قطعا لن يكون مجرد وقفة سلمية، وإنما سيحاولون كعادتهم افتعال المشاكل أو حتى استئجار مندسين لخلق الفوضى والمناوشات، بحثا عن ثغرة أمنية تمكنهم من اقتحام مقر المؤسسة التشريعية.
وبتمكنهم من الدخول، سيعتصم نواب الإخوان داخله وبعدها سيكون من الصعب إخراجهم من هناك، ما يطرح بقوة سيناريو الفوضى وقد تتطور الأمور إلى مستوى معقد سرعان ما سيجد صدى له عبر العالم من خلال الإدانات والضغوط، في نتائج ينشدها الإخوان بقوة ويستثمرونها في حربهم للبقاء.
الإرهاب واغتيال سعيد
النقطة الأخطر التي تشوب المشهد التونسي، خصوصا أن الإخوان لطالما ضغطوا على أزرار الإرهاب في كل مرة ضاق فيها الخناق حول أعناقهم، فتتطاير أشلاء الجنود بالمرتفعات الغربية، أو تدوي التفجيرات بالعاصمة، لنقل التركيز عن فشلهم، وتوجيه الأنظار نحو آفة يصنعونها في غرف عملياتهم ثم يخرجون لتعزية ذوي الضحايا.
سيناريو يدعمه تفكيك خلية إرهابية في محافظة تطاوين، قبل يومين، تضم من 8 إلى 10 أشخاص، كانت تصنع العبوات الناسفة لاستهداف مواقع حيوية بالبلاد، وفق ما أعلنه مصدر أمني لـ"العين الإخبارية".
والأربعاء، اعتقل الأمن التونسي أحد الإرهابيين إثر رصده مقرات أمنية للتعرف على منافذها وتوقيت عمل موظفيها.
وقبل أسبوع، اعتقل الأمن أيضا إرهابيا في محافظة تطاوين بحوزته قنبلة يدوية في أثناء عملية تفتيش دراجته النارية، وقامت الوحدات بتفكيك القنبلة وإحالة الإرهابي إلى جهات التحقيق في قضايا الإرهاب لاتّخاذ الإجراءات القانونية بشأنه.
وعلاوة على الإرهاب، تسود مخاوف بالأوساط في قصر قرطاج من سيناريو اغتيال الرئيس، باعتبار أن إزاحته عن المشهد سيعيد للإخوان مفاتيح السلطة على طبق من ذهب، وسيمنحهم مقاليدها في السلطات الثلاث.
وضع حرج للغاية وطريق ملغومة تسير عليها تونس بالفترة الراهنة، وسط تأكيدات من مصادر مطلعة بأن التنظيم لا يزال يتلقى دعما ماليا من الخارج، ولا تزال بعض الدول تراهن على وجوده بالحكم في تونس لتحقيق أجنداتها الإقليمية، خصوصا أن موقع البلاد يجعلها على خط التماس في العديد من ملفات المنطقة.
حيثيات تجعل مراقبين يطلقون صيحة فزع، ويقدمون توصيات للرئيس التونسي بسرعة التنفيذ وتحقيق تقدم في جميع الملفات الشائكة المطروحة على البلاد، وعدم ترك أي فجوة زمنية أو ثغرة يستغلها الإخوان للمناورة، سواء عبر لعبهم بورقة الإرهاب، أو التناحر الأهلي، أو حتى من خلال منحهم فرصة للتعبئة، لأنه حين تتقاطع حرية التظاهر مع الأمن القومي فإن سلامة تونس تعلو على جميع الاعتبارات الأخرى.