"الرقصة الأخيرة".. إخوان تونس تتلحف بـ"الخلاص" للهروب من مقصلة المحاسبة
بعد فشل ورقة الشارع وتحطمها على صخرة الإرادة الشعبية، باتت جماعة الإخوان تفتش في أوراقها، أملا في ملاذ أخير ينقذها من "مقصلة المحاسبة".
وفيما تحاول الإخوان إيقاف قطار محاسبة قياداتها على جرائم "العشرية السوداء"، أكدت السلطات التونسية المدعومة بإرادة شعبية مُضيها قدما في طريقها نحو فتح الملفات المؤجلة، والتي قد تؤدي بعناصر الجماعة في غياهب السجون.
وخوفا من تكرار السيناريو المصري هرولت الجماعة إلى ترويج الشائعات والادعاءات بشأن حملة الاعتقالات التي تشنها السلطات التونسية بحق قيادات الإخوان المتورطين في جرائم فساد مالي وإداري والتآمر على البلد الأفريقي، بالإضافة إلى ملفي الاغتيالات والتسفير.
الرقصة الأخيرة
تلك الملفات التي زجت بالعديد من قيادات الإخوان إلى السجون التونسية دفعت جبهة الخلاص الإخوانية، إلى إطلاق حملة لمساندة الموقوفين من قيادات حركة النهضة الإخوانية، المعتقلين في قضية التآمر على أمن الدولة.
إلا أن الحملة التي ارتكزت على الشائعات سبيلا للخلاص إلى حالة "المظلومية" التي تتقنها الجماعة، وتعزف على وترها جيدا، عكست حالة الإفلاس والعجز الذي تعانيه "الإخوان".
وبدلا من محاولة الدفع بالحجج القانونية لتبرئة قياداتها، انتهجت جبهة الخلاص الإخوانية سبيل الاعتصام المفتوح، الذي بدأته اليوم الإثنين، للمطالبة بإطلاق سراح الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة.
وتجاهل رئيس جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي التهم الجنائية التي وجهت إلى قيادات حركة النهضة، مطالبا باعتبار الموقوفين سجناء سياسيين، في محاولة منه لإضفاء صبغة سياسية على موقف تلك العناصر المتورطة في جرائم قد تودي بها إلى الإعدام.
وتضم جبهة الخلاص 5 أحزاب وهي: النهضة وقلب تونس (حزب المرشح الرئاسي الأسبق لسنة 2019 نبيل القروي)، وائتلاف الكرامة (إخواني)، وحراك تونس الإرادة (حزب الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي)، والأمل (حزب أحمد نجيب الشابي)، إضافة إلى حملة "مواطنون ضد الانقلاب" (الإخوانية) وعدد من البرلمانيين السابقين.
محاولة للالتفاف
وإلى ذلك، قال المحلل السياسي التونسي عبدالمجيد العدواني إن جبهة الخلاص وهي الواجهة السياسية لتنظيم الإخوان تبحث عن إثارة أزمة، مشيرا إلى أن هناك أطرافا تسعى لتحويل الملفات إلى قضايا إعلامية لكسب التعاطف الشعبي وتأليب الرأي العام الدولي، وللإيهام بأن ملفات القضية "فارغة"، في حين أن كل المعطيات تؤكد تورطهم في قضية التآمر على أمن الدولة.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، قال المحلل السياسي التونسي إن جبهة الخلاص تحاول إنقاذ حركة النهضة والإخوان المسلمين من مقصلة المحاسبة، مشيرا إلى أن جبهة الخلاص أجرت اتصالات مع منظمات دولية خاصة بحقوق الإنسان، في خطوة تشير إلى نوع من الاستقواء بالجماعات الحقوقية الدولية، والسماح لها بالتدخل في شؤون تونس، لإطلاق سراح موقوفين كانوا يظنون أنفسهم فوق المحاسبة.
وأوضح المحلل التونسي "بعد أن باءت عمليات الاستقواء بالخارج والمظاهرات والمسيرات بالفشل، لجأت إلى الاعتصامات المفتوحة، لإيهام العالم بأن عناصرها ضحايا إلا أنهم متورطون بالأدلة والبراهين القاطعة في قضية التآمر".
بدوره، قال المتحدث باسم حراك 25 يوليو محمود بن مبروك، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن الاعتقالات الأخيرة في قضية التآمر على أمن الدولة كانت وفقا لأوامر قضائية، مشيرا إلى أنها أجريت بعد عمليات تنصت كشفت عن وجود مخطط لإسقاط الرئيس قيس سعيد.
وطالب بن مبروك وزارة العدل بضرورة أن تكون المحاكمات التي تطال العديد من الموقوفين علنية، تنقلها القنوات الداخلية والخارجية، "حتى لا تفسر على أنها اعتقالات سياسية بهدف تصفية الخصوم السياسيين لرئيس الجمهورية".
وأشار إلى أن ملفات القضية "تضمنت تهما خطيرة وجرائم في حق الشعب التونسي، خاصة فيما يتعلق بملف "الإرهاب الغذائي"، واصفا المعتقلين والمدافعين عنهم بـ"العملاء"، حسب قوله.
قضية الانقلاب
وكانت "عصابة متشعبة" الأطراف في تونس حاولت في 27 يناير/كانون الثاني الماضي، الانقلاب على الحكم في البلاد عن طريق تأجيج الوضع الاجتماعي وإثارة الفوضى ليلا، مستغلة بعض الأطراف داخل القصر الرئاسي.
إلا أن قوات الأمن والاستخبارات التونسية تمكنت من إفشال هذا المخطط عن طريق تتبع اتصالاتهم وخطواتهم، ليتبين أن الناشط السياسي ومرشح الإخوان للحكومة سنة 2019 خيام التركي كان حلقة الوصل فيها.
والتقت قيادات إخوانية في منزل خيام التركي، الشخصية التي أجمع عليها الإخوان لخلافة قيس سعيد، رفقة رجل الأعمال المعروف بـ"رجل الدسائس" كمال اللطيف ودبلوماسيين ورجال أعمال آخرين، بالضاحية الشمالية بسيدي بوسعيد.
وتورط في هذه القضية 86 شخصا سياسيا ورجال أعمال وإعلاميون ودبلوماسيون، كما تم ضبط مكالمات هاتفية بين أفرادها والقصر الرئاسي بقرطاج من أجل إسقاط النظام.
وثبت تورط المتهمين بعلاقات مع استخبارات وجهات أجنبية للإطاحة بالحكم وإلغاء دستور 2022 والإبقاء على دستور الإخوان لسنة 2014 مع تعيين حكومة جديدة.
وبعد تحريات السلطات التونسية المختصة تمكنت من تتبع تحركات الإخواني ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري، حتى ألقي عليه القبض في 20 فبراير/شباط الماضي، بحوزته وثائق "مهمة" وهواتف ومخطط كتابي يشتمل على دراسة مفصلة في كيفية "رفع الأسعار وحجب المواد الأساسية من السوق".
وشملت قائمة الاعتقالات سمير كمون، أحد موردي الزيوت النباتية، المتهم بالمضاربة والاحتكار، وسامي الهيشري، المدير العام السابق للأمن الوطني، والأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، والناشطة السياسية بجبهة الخلاص شيماء عيسى، والإخواني رياض بالطيب وغيرهم.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد أكد أن حرية التعبير مضمونة، مشيرا إلى أن هذه الاعتقالات جاءت للمحاسبة على جرائم التآمر والفساد، وأنه لا علاقة بينها وحرية التعبير.
وأكد الرئيس التونسي أن "من يدّعي أن حرية التعبير مهدّدة فإمّا أنه لا يعلم حقيقة الملفات، أو يتجاهلها للإساءة لبلده ووطنه ويرفض المحاسبة التي ينادي بها الشعب".