أسبوع تونس.. تقارب "مريب" بين النهضة والقروي ورئاسة البرلمان تثير جدلا
التحالف الذي وصفوه بـ"الهجين" لا يعكس تشابها بين الطرفين إنما هو نتيجة معادلات مصلحية، ولن يدوم طويلا وسيكون فاتحة لانقسامات مرتقبة
اعتبر سياسيون أن التقارب بين حزب "قلب تونس" وحركة النهضة الإخوانية طعنة سياسية في ظهر ناخبيه ومحاولات مريبة من المرشح الرئاسي السابق نبيل القروي لإنهاء أي ملاحقة قضائية.
إلا أنهم اعتبروا أن التحالف الذي وصفوه بـ"الهجين" لا يعكس تشابها بين الطرفين إنما هو نتيجة معادلات مصلحية لا تفضي إلى حل اقتصادي ناجع ولن يدوم طويلا، وسيكون فاتحة جديدة لانقسامات مرتقبة قد تشق المرحلة القادمة في تونس ولن يقدم للمشهد السياسي سوى مزيد من "العقم".
وأمام حركة النهضة مهلة زمنية تنتهي اليوم الجمعة للإعلان عن مرشحها لرئاسة الحكومة، وعندها يكلف الرئيس التونسي قيس سعيّد المرشح لتشكيل حكومة في مدة زمنية لا تتجاوز الشهرين.
- "قلب تونس" يتهم الإخوان بارتكاب جرائم انتخابية
- مراقبون تونسيون: "النهضة" تلجأ للشائعة لتغطية عجزها السياسي
ومرارا، رفض رجل الأعمال نبيل القروي، مؤسس حزب قلب تونس، إمكانية التحالف مع حركة النهضة، متهما إياها بالوقوف وراء سجنه بتهم غسل أموال وتهرب ضريبي خلال حملة الانتخابات الرئاسية التي ترشح لها.
وحل حزب النهضة أولا في البرلمان بـ52 مقعدا، أي أقل من ربع مجموع النواب الـ217، ما دفعه للدخول في مشاورات مع باقي الأحزاب لكي يتمكن من تشكيل الحكومة.
أما حزب قلب تونس فقد تمكن من حصد 38 مقعدا واشترط ترشيح شخصية بخلفية اقتصادية لرئاسة الحكومة القادمة ولم يعلن رسميا دخوله في مشاورات مع حركة النهضة.
وشهد الأسبوع الماضي فوز رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي برئاسة البرلمان بمساندة كبيرة من حزب "قلب تونس" وسط استنكار من عديد القوى السياسية التي اعتبرت التصويت للغنوشي "خيانة وطنية" وتنكرا للشخصيات التي وقع اغتيالها في عصر الإخوان.
وتشهد تونس اتهامات لتنظيم سري شكله إخوان تونس، لتصفية معارضيهم السياسيين، واختراق الأحزاب الرافضة والمضادة لهم من أجل تفكيكها وتفتيتها، بما يفسح المجال أمامهم للاستحواذ على مفاصل الحكم بالبلاد.
ونشر عدنان البراهمي، نجل الزعيم القومي محمد البراهمي، الذي وقع اغتياله سنة 2013 منشورا استنكر فيه تواجد الغنوشي على رأس مجلس نواب الشعب، قائلا: "قاتل أبي في البرلمان".
وكشفت الجلسة الأولى للبرلمان التونسي تجاذبات حادة بين الإخوان والحزب الدستوري الحر الذي اتهم الغنوشي بتجاوز القانون منذ اللحظات الأولى للجلسة.
دمار سياسي
وقالت القيادية بالحزب الدستوري الحر سنية الفضيلي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن تواجد الغنوشي بالبرلمان هو "دمار سياسي" سيكتشف سلبياته التونسيون، معتبرة أن موقف حزب "قلب تونس" الطعنة السياسية في ظهر ناخبيه.
وإزاء تصويت نواب "قلب تونس" لصالح رئاسة الغنوشي للبرلمان، قدم القيادي بالحزب عبدالعزيز بلخوجة استقالته من الانتماء للكتلة النيابية، معتبرا أن التحالف مع حركة النهضة يعارض أفكاره والقيم السياسية التي يشتغل من أجلها.
الفضيلي وصفت التحالف بين الإخوان وحزب قلب تونس بـ"زواج المتعة" الذي لن يقدم للمشهد السياسي التونسي سوى مزيد من "العقم" الاقتصادي والاجتماعي.
نقاشات سياسية وبرامج غائبة
قيادات بحزبي "التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب" القومية، اعتبرت أن رفض الدخول في تحالف حكومي مع حركة النهضة هو الغياب التام لأي رؤية ناجعة تملكها الحركة لإنقاذ الاقتصاد.
ووصف الأمين العام لحركة الشعب القومية زهير المغزاوي حركة النهضة الإخوانية بالحزب "الفاشل" طيلة الثماني سنوات بسبب عجزه عن امتلاك برنامج اقتصادي واجتماعي واضح لإنقاذ الاقتصاد التونسي.
المغزاوي أكد لـ"العين الإخبارية" أن رفض حزبه التصويت لصالح راشد الغنوشي في البرلمان هو انطلاق من عدم اقتناعه بالسياسات التي تتبعها حركة النهضة خاصة منها حملات التشويه المجانية التي يقودها أنصارها ضد خصومها.
وفي الاتجاه نفسه، اشترط الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) على أي حكومة قادمة الالتزام بحماية حقوق الشغالين والعمال لمساندتها، مؤكدا أن كل منهجية ليبرالية ضد الطبقات الفقيرة سيواجهها بالإضرابات والتحركات الاجتماعية.
ولم يقدم الإخوان برنامجا مفصلا للحكم، مكتفين خلال هذا الأسبوع، حسب مراقبين، بعرض مبادئ عامة لا تقدم خارطة طريق لإنقاذ الاقتصاد التونسي الذي تتأرجح فيه نسب النمو 1%.
تحالفات هجينة
الناشط النقابي وديع الهداوي قال، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن التحالفات التي قد تفرزها المرحلة القادمة بين حزبي "النهضة الإخواني" و"قلب تونس" لا تعبر عن التوجهات العامة للناخبين التونسيين.
ووصف هذا التقارب بـ"التحالف الهجين" الذي لا يعكس تشابها بين الطرفين إنما هو نتيجة معادلات مصلحية لا تفضي إلى حل اقتصادي ناجع.
وأكد أن التقارب الذي تحكمه الضرورة البرلمانية والموازنات العددية (يملكان أكبر عدد من النواب) سيصطدم بالواقع السياسي المتناقض بين قواعدهما.
وتشهد صفحات التواصل الاجتماعي في تونس حالة من الاستنكار الواسعة من قبل القواعد الانتخابية لحزب "قلب تونس" بعد التوجهات الجديدة التي اتبعها الحزب.
وفي الإطار نفسه، يعتبر ملاحظون أن هذه الخطوة اتخذها رئيس الحزب نبيل القروي لضمان تواجده في الحكومة القادمة من أجل التأثير على الملفات القضائية المفتوحة أمامه خاصة منها الاتهامات بتبييض الأموال والتهرب الجبائي.
وواجه القروي خلال أشهر أغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول السجن بعد دعوى قضائية ضده لشبهة تجاوزات مالية.
وفي ظل هذه التحالفات الجديدة التي تشق المشهد السياسي التونسي، تظل الخارطة السياسية في حالة ترقب متواصل لتركيبة حكومية تستجيب لطموحات التونسيين وتستطيع البرهنة على امتلاكها حلا لأكثر من 800 ألف عاطل عن العمل.