تونس تفي بتعهداتها بإمكانيات ذاتية.. هل ما زالت تحتاج إلى صندوق النقد؟
تلتزم تونس بتعهداتها المالية وسداد ديونها في موعدها، بعد تحسن نسبي في مؤشراتها الاقتصادية.
وقد أكد الرئيس التونسي قيس سعيد، الخميس الموافق 5 سبتمبر/أيلول الجاري خلال لقائه وزيرة المالية سهام البوغديري، أن “تونس أوفت بكل تعهداتها المالية ولم يقع اللجوء إلى قانون مالية تكميلي، على الرغم من الصعوبات والتقلبات التي يشهدها العالم، ولأن "تونس اختارت أن تعوّل على إمكانياتها الذاتية وعلى استقلال قرارها الوطني” وفق قوله.
وخلال السنوات الماضية لجأت الحكومات التونسية المتعاقبة إلى إعداد موازنات تكميلية لمواجهة العجز المتراكم في الموازنة العامة للدولة، ويتم إعداد موازنات من 3 أشهر، لتحديد وضبط النفقات والعوائد المالية للدولة.
وفي وقت سابق، أكد محافظ البنك المركزي التونسي فتحي زهير النوري "إيفاء تونس بتعهداتها المالية إزاء مختلف المانحين"، مشيراً إلى "العلاقات الجيدة والمتينة للبلاد مع كافة الأطراف والجهات المانحة".
وفي 27 أغسطس/آب الماضي أعلن البنك المركزي التونسي أن تونس سددت 81,1% من ديونها الخارجية حتى الآن، أي ما يعادل نحو 10 مليارات دينار تونسي (نحو 3 مليارات دولار).
وأكدت بيانات البنك أن تونس تولت حتى الآن تسديد 81.1% من قيمة ديونها الخارجية، وأن وكالات دولية للتصنيف الائتماني قامت على هذا الأساس بمراجعة نظرتها المستقبلية لآفاق الاقتصاد التونسي من "سلبية" إلى "مستقرة".
وتمكنت تونس خلال النصف الأول من هذه السنة من تسديد فوائد بعنوان الدين الخارجي بقيمة 1127.5 مليون دينار (نحو 370 مليون دولار).
وقال البنك المركزي إن عمليات التسديد جرت "دون تعثر أو تأثير ملحوظ على احتياطي النقد الأجنبي، الذي تقدر قيمته حالياً ما يعادل 114 يوم توريد، أي في مستوى العام السابق نفسه".
- «سوق البركة» يئن في تونس.. الذهب سلعة راكدة
- تونس ومغامرة «الاعتماد على الذات».. نجاح جديد بدون وصاية «صندوق النقد»
سداد الديون
ويرى خبراء الاقتصاد في تونس أن التزام تونس بتعهداتها المالية وفق إمكانياتها الذاتية أمر جيد، لكن في ذات السياق طالبوا بضرورة دفع الاستثمار.
وقال المستشار الجبائي محمد صالح العياري إن تونس أوفت بتعهداتها بخصوص القروض الخارجية في الآجال المحددة، معتبراً ذلك بالخطوة المهمة.
وأفاد لـ"العين الإخبارية" بأن تونس تستعد حالياً لتسديد قرض بضمان ياباني بقيمة 50 مليار ين في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وتابع "من الجيّد التعويل على الإمكانيات الذاتية والاقتراض الداخلي، لكن ذلك له تداعيات خطيرة على شح السيولة وعدم القدرة على تمويل المؤسسات ودفع الاستثمار".
وأضاف أن اللجوء إلى قانون مالية تكميلي وارد ويكون خلال شهر ديسمبر/كانون الأول كما جرت العادة خلال السنوات الأخيرة.
صندوق النقد الدولي
من جهة أخرى، دعا أستاذ الاقتصاد التونسي آرام بلحاج إلى ضرورة الحسم والابتعاد نهائياً عن صندوق النقد الدولي، أو الرجوع والتعامل الجدي معه كي تكون المسألة واضحة.
وأكد لـ"العين الإخبارية" ضرورة وضع رؤية واستراتيجية اقتصادية، ثم الحديث عن السياسات العامة، من أجل أن يحقق الاقتصاد التونسي نسب نمو محترمة.
وتابع "الحديث على إمكانية تمويل الميزانية والحصول على التمويلات اللازمة دون صندوق النقد هو أمر نسبي ".
ويرى بلحاج أن" صندوق النقد ليس غولاً، ونحن لنا الكفاءات والإمكانيات اللازمة لوضع برنامج جديد والتفاوض معه الندّ للند"، موضحاً أن رفض عديد من الدول تقديم قروض ومساعدات لتونس كان بسبب عدم إمضاء اتفاق مع صندوق النقد.
ودعا إلى ضرورة إيجاد بدائل، لا تكون لها انعكاسات كبيرة على الاقتصاد الوطني، موضحاً أن تعويض الاقتراض الخارجي بالاقتراض الداخلي فيه مخاطر على المدى المتوسط.
ولطالما أعرب الرئيس التونسي قيس سعيد عن رفضه "إملاءات" لإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، داعياً إلى "الاعتماد على النفس".
وقال سعيد في مناسبات إن "إملاءات المقرضين غير مقبولة، وإن خفض الدعم أدى إلى احتجاجات سقط فيها قتلى في تونس سابقاً"، مضيفاً أن "السلم الاجتماعي ليس لعبة".
وأفاد بأن تونس تريد الإصلاح من أجل إنقاذ اقتصادها الوطني وإنقاذ مؤسساتها الحكومية، لكنها ترفض في ذات الوقت أي شروط أو إملاءات تفرض عليها من قبل صندوق النقد الدولي تضر بمصالحها وتهدد السلم الأهلي في البلاد.
وترفض تونس تنفيذ إصلاحات يطلبها صندوق النقد الدولي من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي لقرض بقيمة 1.9 مليار دولار، بدأت المفاوضات بشأنه منذ عام 2022، وتعتبرها إملاءات تفرض عليها.
وللإشارة فإن معدل التضخم السنوي في تونس تراجع خلال أغسطس/آب الماضي للشهر الثاني على التوالي، مسجلاً 6.7%، حسب الأرقام التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء.
وكان معدل التضخم في يوليو/تموز الماضي تراجع إلى حدود 7% على أساس سنوي، بعد أن سجل في يونيو/حزيران 7.3%.