الغنوشي يستنجد بإعلام أردوغان وتميم.. استقواء لم يخمد نار الغضب
فشل الذباب الأزرق في التشويش على الغضب البرلماني والشعبي ضد الغنوشي، جعل الأخير يلجأ إلى عرّابيه تركيا وقطر.
إعلاميا وعبر حرب الشائعات الزائفة، يستمر الإسناد التركي القطري لزعيم إخوان تونس راشد الغنوشي، في محاولة لتقليص خسائره السياسية إلى أدنى حد ممكن.
فمع فشل جميع المحاولات، لم يتبق سوى اللجوء إلى الأبواق الإعلامية للدوحة وأنقرة، حيث أجرى الغنوشي، بشكل متزامن، مقابلتين مع الوكالة الرسمية التركية وقناة "الجزيرة".
إسنادٌ يأتي عقب فشل حركة النهضة الإخوانية التي يقودها الغنوشي، وأذرعها المحلية، في إخماد الاستياء الشعبي والبرلماني من تحركات زعيمها في الملف الليبي، عبر اتصالات مشبوهة مع قيادات إخوانية في العاصمة طرابلس.
فبداية، أطلق الإخوان ما يسمى في تونس بـ"الذباب الأزرق"، في إشارة للمواقع والصفحات التي تجندها الحركة، إلكترونيا" لضرب واستهداف كل من ينتقدها، عبر تشويهه والتشويش على حساباته، ورفع بلاغات كاذبة لإدارات مواقع التواصل الشهيرة.
لكن فشل جيوش الإخوان الإلكترونية في توجيه بوصلة الرأي العام عن الغنوشي، جعل الفرع التونسي يتوجه إلى الاستقواء بداعميه التقليديين، أنقرة والدوحة، ليبدأ بذلك فصل جديد من الحرب والشائعات.
شائعة الانقلاب
أنيس السعداوي، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية، اعتبر أن الغنوشي اعتمد تمشيا ممنهجا للرد على الدعوات لمساءلته برلمانيا، والكشف عن مصادر ثروته المشبوهة، ومع ذلك أخفق في الخروج من دائرة الخطر.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، قال السعداوي إن فشل الذباب الأزرق في التشويش على الغضب البرلماني والشعبي ضد الغنوشي، جعل الأخير يلجأ إلى عرّابيه تركيا وقطر.
واستشهد الباحث التونسي بالتسلسل التكتيكي لشائعات بدأت قيادات إخوانية وإعلام محسوب على فرع الجماعة في تونس بنشرها، تزعم وجود للإطاحة بنظام الحكم بالبلاد.
لكن الشائعات لم تحقق هدفها المرجو، حيث تجاهلها الرأي العام التونسي، ما دفع بالإخوان إلى المرور إلى الخطوة التالية، إذ دخل إعلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الخط، ليزعم أن جهاز الاستخبارات التركي هو من أحبط هذا المخطط عبر وثائق عثر عليها في قاعدة الوطية الليبية.
غير أن حتى هذه الشائعات لم تمنح إخوان تونس وأردوغان غايتهما، وهو الظفر بمتاهة إعلامية جديدة تشتت اهتمام الرأي العام التونسي، وتحول الأنظار عن فضيحة الغنوشي، حيث قوبلت بتشكيكات واسعة وتجاهل كبير.
إعلام أردوغان وتميم
وفي صدفة لافتة، نشرت أذرع الفتنة التركية والقطرية، المقابلتين في يوم واحد، ما فجّر موجة استياء واسعة في تونس عن المغزى من استقواء الغنوشي بمنابر إعلامية معروفة بدورها في ضرب أمن المنطقة العربية، وزرع الفتن، وخدمة أجندات مشبوهة، ودعم أنظمة راعية للإرهاب.
المحلل السياسي التونسي منذر بلعربية، رأى أن المخطط التركي القطري لإنقاذ الغنوشي رسم على مقاس أزمة الأخير، والتوقيت المتزامن لنشر المقابلتين يؤكد وجود تنسيق مسبق.
وأكد بلعربية، لـ"العين الإخبارية"، أن الغنوشي استنجد بإعلام داعمي الخراب في العالم العربي، للحصول على منبر يحاول عبره الضحك على ذقون التونسيين، عبر التمويه والكذب والمخاتلة، وهو ما قال إن الأخير فشل في تحقيقه بشكل ذريع.
من جانبه، عاد السعدي ليتناول فحوى المقابلتين، مستغربا من غياب المهنية في إجراء وسيلة إعلام مقابلة مع سياسي أجنبي، مشيرا إلى أن التطرق إلى مواضيع وملفات محلية ينبغي، وفق الأخلاقيات السياسية والصحفية، أن تتم عبر الإعلام المحلي أولا.
وأعرب السعدي عن استغرابه من تبجح الغنوشي، بالمقابلتين، باتصالاته مع مليشيات طرابلس، وإنكاره لما يمثله ذلك من انتهاك لضوابط الدبلوماسية التونسية، ولصلاحيات الرئيس قيس سعيد.
لكن المحلل السياسي اعتبر أن إقرار الغنوشي بتحركاته التي تعمدت حركته ومكتب البرلمان الذي يرأسه تجاهل نشرها ضمن أنشطته، تدينه بشكل أكبر بأعين التونسيين، شعبا وساسة.
كما أن تصريحاته الكاذبة بشأن عدم وجود "صراع" أو "تنافر" مع الرئيس التونسي قيس سعيد، أضعفت موقفه أكثر، لأنها أظهرت إلى أي درجة بلغت عدم مصداقيته حتى حين يتعلق الأمر بحيثيات معروفة، وموثقة بتصريحات للرئيس نفسه تضمنت تلميحات مؤكدة لتوتر العلاقات مع زعيم الإخوان.
بدوره، أيّد بلعربية ما ذهب إليه السعدي، معتبرا أن الغنوشي أراد الصيد في الماء العكر، محاولا مد جسور التواصل مع سعيد، ما أخرجه في صورة مهينة وهو يستجدي رضى ساكن قرطاج، مع ما تضمنه ذلك من اعترافات ضمنية بفشله وارتباكه واهتزاز مواقفه مقابل ثبات الرئيس.
أما الإسهاب في ذكر "الارتباطات الخارجية" لمن يزعم أنهم يشنون عليه حربا سياسية، فأظهر، بحسب بلعربية، جهلا تواصليا أسقطه في جب نظرية المؤامرة المعهودة للإخوان، وفي نمطية تمقتها الشعوب عموما والتونسيين بشكل خاص.
وخلص الخبير إلى أن الغنوشي فشل حيثما أراد تقليص خسارته، واستباق جلسة مساءلته بالبرلمان، بل فتح على نفسه جبهة انتقادات جديدة نظرا لكم المغالطات التي أسقطها بمقابلاته، ووهم "التوافقات" التي يتحدث عنها، في وقت باتت فيه ملامح العزلة السياسية تطوقه من كل جانب.