تونس تتمسك بالدعم وترفض إملاءات الصندوق.. موازنة 2026 نحو الاستقلال الاقتصادي
 
                                        أظهر قانون المالية لسنة 2026 استمرار الحكومة التونسية في سياسة الدعم (الإنفاق العمومي) الموجَّه إلى سلة المواد الأساسية والمحروقات والنقل خلال العام المقبل.
الخطوة تؤكد مجددًا رفض السلطات شروط صندوق النقد الدولي الداعية إلى رفع الدعم، وتعزز في الوقت ذاته موقف الرئيس قيس سعيّد الداعي إلى الاعتماد على الذات ورفض الإملاءات الخارجية.
وفي التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أكد الرئيس التونسي قيس سعيّد خلال لقائه رئيسة الحكومة سارة الزعفراني ضرورة التركيز في قانون المالية لعام 2026 على الجانب الاجتماعي في المقام الأول، إلى جانب إدخال إصلاحات هيكلية على المالية العمومية.
وذكّر سعيّد بأن "تونس التي اختارت التعويل على ذاتها وسدّدت كل ديونها في مواعيدها، رغم أن الشعب لم يستفد منها على الوجه المطلوب، قد كذّبت من يحنّون اليوم إلى القومسيون المالي ويدعون إلى التدخل الخارجي".
ويؤكد خبراء أن استمرار تونس في سياستها الاجتماعية ومنظومة الدعم دليل على أنها لا تعتزم التفاعل مع صندوق النقد الدولي، الذي يشترط إلغاء الدعم مقابل إعادة دراسة ملفها ومنحها قرضًا بقيمة 1.9 مليار دولار، في حين يرفض الرئيس سعيّد مرارًا ما يسميه "إملاءات الصندوق" التي تهدد السلم الاجتماعية.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي التونسي هيثم حواص إن السلطات التونسية تعتزم مواصلة دعم الغذاء والكهرباء لعام جديد، في إطار خطة تهدف إلى الحد من تداعيات الغلاء على القدرة الإنفاقية للأسر.
وأوضح حواص في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن منظومة الدعم انطلقت سنة 1945، ثم تطورت لاحقًا بتأسيس "صندوق الدعم" في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، لتتخذ بعد ذلك طابعًا اجتماعيًا واقتصاديًا لحماية المستهلك وضمان القدرة الشرائية.
وأضاف: "رغم المحاولات المتكررة لإلغاء منظومة الدعم، تواصل الدولة أداء دورها الاجتماعي بشكل واضح وكبير"، مشيرًا إلى أن تونس رفضت شروط صندوق النقد الدولي الرامية إلى رفع الدعم نهائيًا بحلول سنة 2026، وأظهرت اختلاف موقفها عن توجهات الصندوق.
وتشير بيانات مشروع قانون الموازنة للعام المقبل إلى أن نفقات الدعم العام ستتجاوز 9.7 مليار دينار (نحو 3.3 مليار دولار)، منها 4 مليارات دينار (1.3 مليار دولار) مخصصة لدعم الغذاء، و5 مليارات دينار (1.7 مليار دولار) لدعم المحروقات والكهرباء، إلى جانب 700 مليون دينار لدعم قطاع النقل.
وتُقدّر الزيادة المتوقعة في نفقات دعم الغذاء، وفق وثيقة مشروع الموازنة لعام 2026، بنحو 278 مليون دينار، لتصل إلى 4 مليارات دينار مقابل 3.8 مليار دينار خلال العام الحالي.
كما سيستمر العمل خلال سنة 2026 على تحسين نجاعة منظومة الدعم وتشجيع الإنتاج الزراعي المحلي لتحقيق الأمن الغذائي، من خلال تكثيف الرقابة الاقتصادية والتصدي للممارسات غير المشروعة، مثل التهريب والمضاربة والاستعمال غير القانوني للمواد المدعّمة والتجارة الموازية.
وتخطط الحكومة أيضًا لتحديث منظومة التصرف في المواد المدعّمة عبر تفعيل منصات معلوماتية تمكّن من تتبّع مبيعات المطاحن من الدقيق ومراقبة توزيع الزيت المدعّم بشكل آني، إضافة إلى مكافحة هدر الغذاء.
ومن المتوقع أن يستحوذ دعم الغذاء في العام القادم على نحو 41.7% من إجمالي نفقات الدعم المقدرة بـ9.7 مليار دينار، أي ما يعادل 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي النسبة ذاتها المتوقعة لعام 2025.
في المقابل، تُظهر بيانات مشروع الموازنة أن السلطات تخطط لخفض دعم المحروقات والكهرباء، مستفيدة من تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية. وتتوقع تونس في العام المقبل تحقيق وفورات لا تقل عن 726 مليون دينار من نفقات دعم المحروقات والكهرباء مقارنة بالعام الجاري، باعتماد فرضية سعر برميل النفط في حدود 63 دولارًا.
ومن المنتظر أن تبلغ نفقات دعم المحروقات والكهرباء لعام 2026 نحو 5 مليارات دينار، مقابل 5.7 مليار دينار متوقعة لسنة 2025، منها 3.1 مليار دينار مخصصة لشركة الكهرباء والغاز الحكومية.
ووفق مشروع الموازنة، لا تعتزم السلطات التونسية إجراء أي تعديل على أسعار المحروقات والكهرباء، مع وضع خطة لتحسين التحكم في الاستهلاك ومراقبة مسالك توزيع قوارير الغاز المنزلي، التي تتحمل الحكومة 71% من كلفتها.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن معدل دعم المحروقات يبلغ نحو 27% من كلفتها، في حين تصل نسبة دعم قوارير الغاز المنزلي إلى 71%، ليستفيد منها مختلف الشرائح الاجتماعية، ولا سيما ذوو الدخلين الضعيف والمتوسط.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY5IA== جزيرة ام اند امز
 
                                                            
                                                     
                                                            
                                                     
                                                            
                                                    