نور الدين البحيري.. ذراع الغنوشي الأمنية بمقصلة «التآمر على تونس»

رسّخ نفسه منذ عقود كأحد أبرز رجال الظل في إخوان تونس، وبات عبر الزمن «الذراع الأمنية» لزعيمهم راشد الغنوشي ومن أخطر قياداتهم على الإطلاق.
إنه نور الدين البحيري، الرجل الذي تدرّج في صفوف التنظيم الإخواني منذ الثمانينيات، وصقل نفوذه في دوائر القرار الحزبي إلى أن أصبح مهندس ما بات يوصف بـ«الصفقات المشبوهة» للجماعة، والمشرف الفعلي على غرفها المظلمة، سواء في عهد الترويكا أو ما بعد الثورة.
- أبرزهم الإخوانيان البحيري والجلاصي.. «العين الإخبارية» تنشر المدانين بـ«التآمر على تونس»
- نور الدين البحيري.. التحقيق مع العقل المدبر لإخوان تونس في "التسفير"
لكن هذا النفوذ ارتدّ عليه لاحقًا، مع انكشاف أدواره داخل مؤامرات الدولة العميقة، وتورطه في ملفات ثقيلة أدّت إلى حكم قضائي غير مسبوق بسجنه لمدّة 43 سنة، بتهم تتعلق بـ«التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي» و«تكوين تنظيم إرهابي» ومحاولة «قلب نظام الحكم».
من المحاماة إلى مراكز النفوذ
وُلد البحيري يوم 10 يوليو/تموز 1958 بمدينة جبنيانة التابعة لمحافظة صفاقس، وتخرّج في كلية الحقوق ليبدأ مسيرته المهنية كمحامٍ، قبل أن يلتحق مبكرًا بهياكل حركة النهضة خلال فترة السرية في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.
بعد الثورة التونسية في 2011، تسلّق البحيري بسرعة هرم السلطة، فتم تعيينه وزيرًا للعدل في حكومة حمادي الجبالي بين 2011 و2013، ثم وزيرًا معتمدًا لدى رئيس الحكومة في حكومة علي العريض.
وفي البرلمان، تولى رئاسة الكتلة النيابية لحركة النهضة، وكان أحد أبرز المفاوضين في الكواليس السياسية، ما أكسبه لقب «العقل المدبر» و«صانع الصفقات» داخل الحركة.
ملفات سوداء
على مدار سنوات، لاحقت البحيري اتهامات ثقيلة من قبل خصومه السياسيين ومنظمات المجتمع المدني، أبرزها استغلاله منصب وزير العدل لتدجين المؤسسة القضائية وتوظيفها ضد المعارضين.
كما اتُّهم بتأسيس غرف عمليات سرية للتحكم في مفاصل الدولة عبر تعيينات مشبوهة، واستخدام جيوش إلكترونية لتشويه الخصوم السياسيين وابتزازهم.
وبينما سعت حركة النهضة إلى إبرازه كرمز للاستقرار القانوني، كان خصومه يعتبرونه من مهندسي التمكين داخل مفاصل الدولة، ومحورًا لعمليات اختراق مؤسسات الحكم بعد الثورة، بما في ذلك محاولة اختراق رئاسة الجمهورية عبر تعيين مستشارين يدينون له بالولاء.
السقوط القضائي.. سلسلة إدانات
بدأت الدائرة تدور على البحيري بعد صعود الرئيس قيس سعيد وإعلانه تجميد البرلمان في يوليو/تموز 2021، ثم حلّه لاحقًا.
ففي 31 ديسمبر/كانون الأول 2021، أوقف البحيري بقرار من وزارة الداخلية وأُحيل إلى الإقامة الجبرية، ما شكّل أول خطوة في سلسلة من التتبعات القضائية التي ستطال أبرز وجوه النهضة لاحقًا.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، أصدرت الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية في تونس حكمًا بسجنه لمدة 10 أعوام، في قضية تتعلق بالاعتداء على أمن الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم.
كما تم تمديد حبسه في ديسمبر/كانون الأول 2024، على خلفية قضية وفاة رجل الأعمال الجيلاني الدبوسي، الذي توفي بعد تعرّضه للتعذيب في محبسه خلال حكم الترويكا، وهي القضية التي أعادت فتح ملف الانتهاكات الحقوقية في فترة حكم الإخوان.
لكن الضربة الأقسى جاءت يوم 19 أبريل/نيسان 2025، حين قضت المحكمة التونسية بسجن البحيري لمدة 43 عامًا، في القضية المعروفة بـ«التآمر على أمن الدولة»، التي شملت نحو 40 متهما من بينهم قيادات بارزة من حركة النهضة.
تهم خطيرة
شملت التهم الموجهة للبحيري:
• التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي
• تكوين تنظيم إرهابي والانضمام إليه
• ارتكاب جرائم هدفها تبديل هيئة الدولة
• حمل السكان على مهاجمة بعضهم البعض
• إثارة الهرج والقتل والسلب داخل التراب التونسي
هذه التهم كشفت الدور الذي لعبته حركة النهضة -وعلى رأسها البحيري- في زعزعة الاستقرار الأمني والسياسي للبلاد، لا سيما خلال الفترة الانتقالية.
هندسة الألغام السياسية
ولطالما اتُهم البحيري بإدارة «غرفة عمليات» داخل البرلمان التونسي لتخريب عمل الحكومات المتعاقبة، وعرقلة التشريعات الإصلاحية، كما حدث مع حكومة إلياس الفخفاخ.
ويرى مراقبون أن نور الدين البحيري شكّل أحد الأعمدة الرئيسية لسياسة التغلغل الحزبي داخل مؤسسات الدولة، وجسّد نموذجًا لـ«القائد الظل» الذي يفضل العمل خلف الكواليس، متمكنًا من أدوات القانون والإعلام والتفاوض.
وبحسب خبراء، فقد شكّل البحيري «حكومة ظل» داخل البرلمان، هدفها تنفيذ أجندة الغنوشي عبر:
• خنق عمل الحكومة سياسيًا.
• محاصرة الرئيس قيس سعيّد داخل القصر.
• التلاعب بالتحالفات لإسقاط الحكومات وإعادة تشكيل المشهد على المقاس الإخواني.
لم تقتصر تحركاته على البرلمان، بل حاول اختراق رئاسة الجمهورية أيضًا، من خلال زرع مستشارين موالين داخل قصر قرطاج، في محاولة للسيطرة على القرار الدبلوماسي التونسي خدمةً للتنظيم الدولي للإخوان، وفق تسريبات من الفريق المقرب من الرئيس سعيّد.
وبينما تحاول حركة النهضة الدفاع عنه باعتباره «ضحية تصفية سياسية»، يعتبره خصومها شاهدًا على مرحلة من الفساد السياسي والتغوّل على الدولة باسم الثورة، ويستدلّون على ذلك بأحكام قضائية متتالية أدانته في قضايا ذات طابع أمني وسيادي.
aXA6IDE4LjIxOS4xODQuMjQ2IA== جزيرة ام اند امز