بوهدمة... آخر أنفاس السافانا في شمال أفريقيا تقاوم الزمن من قلب تونس

من أعماق محافظة سيدي بوزيد وسط شرقي تونس، تمتد المحمية الطبيعية "بوهدمة" كفسحة برية فريدة، تحفظ ما تبقّى من بيئة السافانا في شمال أفريقيا، وتختزن بين تضاريسها تنوعًا بيولوجيًا استثنائيًا وآثارًا تاريخية تعود إلى آلاف السنين.
تقع الحديقة على ارتفاع 840 مترًا فوق سطح البحر، وتغطي مساحة تُقدّر بـ16488 هكتارًا، موزّعة على ثلاث محميات رئيسية: المحمية الشرقية المحيطة ببرج بوهدمة وتبلغ مساحتها 5114 هكتارًا، ومحمية وادي هداج في وسط الحديقة وتصل مساحتها إلى 2534 هكتارًا، ثم المحمية الواقعة جنوب غرب الحديقة والتي تغطي 1006 هكتارات.
في سنة 1977، أدرجت منظمة اليونسكو (المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم) هذه المحمية ضمن قائمة محميات الكائنات الحية ومحيطها، استنادًا إلى خصائصها البيئية المميزة.
تحتضن بوهدمة أكثر من 60 بالمئة من مجموع الحيوانات البرية الموجودة في البلاد، وأبرزها الثدييات والضباء الصحراوية، إلى جانب أنواع نادرة مثل ابن آوى، الثعلب الأحمر، الأرويّة، القُنْدي، النسر الملكي، غزالة "دوكاس"، ثعلب الصحراء، وضبي "أراكس". كما أعيد إدخال النعامة إلى الحديقة بعد اندثارها من الجنوب التونسي، في خطوة لإحياء التوازن البيئي المحلي. وتعيش في الحديقة أيضًا أنواع من الزواحف أبرزها الكوبرا.
وقد أُحصي داخل المحمية ما يزيد عن 278 نوعًا من القوارض والزواحف والطيور، ما يعزز مكانتها كموئل طبيعي غنيّ ومتنوّع.
أما الغطاء النباتي، فيتكوّن من حوالي 500 نوع، يتصدرها غابة الطلح الأصيلة التي تُعدّ فريدة من نوعها في المنطقة، إضافة إلى أشجار النخيل والبطوم والعرعار.
ولم تكن هذه الأرض المترامية الأطراف خالية من الحياة البشرية عبر التاريخ؛ إذ كشفت الأدلة الأثرية عن وجود الإنسان فيها منذ نحو 10 آلاف سنة. وما تزال آثار السدود والأحواض والقنوات الرومانية قائمة، لتوثّق تطور تقنيات الري في تلك الحقبة، وتعكس الأهمية الزراعية التي حظيت بها المنطقة في العهد الروماني.
يتوسط الحديقة برج أثري بُني عام 1892، كان يستخدم محطة للقوافل، ويُعد اليوم معلمًا من معالم المكان.
ويقول الباحث في الشأن البيئي عبد الحميد الغابري، إن المحمية أنشئت بهدف الحفاظ على التنوع البيولوجي من خلال إعادة توطين عدد من الحيوانات المهددة بالانقراض. وبيّن في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن اليونسكو أدرجت هذه المحمية ضمن محميات المحيط الحيوي لما تتميّز به من طبيعة فريدة في شمال أفريقيا.
وأشار الغابري إلى أن المحمية تستقطب عددًا متزايدًا من الزوار، أغلبهم من التونسيين، إلى جانب عدد من السياح الأجانب الذين يبحثون عن تجربة مختلفة وسط الطبيعة البرية.
ورأى أن السياحة الإيكولوجية تمثل فرصة واعدة لدعم الاقتصاد المحلي والتنمية المستدامة، عبر استثمار الأنظمة البيئية وما تحويه من موارد طبيعية وثقافية، بما يساهم في تنشيط الدورة التنموية في البلاد.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjAzIA== جزيرة ام اند امز