بين فرص العمل وخسائر البيئة.. المعادلة الصعبة للمجمع الكيميائي في قابس التونسية

بعد أن كان المصنع الكيمائي بمحافظة قابس (جنوب شرقي تونس) نعمة على الاقتصاد، تحول إلى نقمة على أهاليها.. ماذا حدث؟
مؤخرا تكررت حالات الاختناق بسبب التلوث الناجم عن انبعاثات المصنع وتسرباته، إذ تجاوز عدد المصابين الذين نقلوا للمستشفيات بالجهة نحو 100 حالة خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول.
ويقع المجمع الكيميائي بمحافظة قابس (على بعد نحو 415 كيلومترا عن العاصمة) وتحديدا في منطقة "غنوش، ويوفر نحو 4 آلاف فرصة عمل.
وقد تأسس المصنع الكيميائي عام 1972 وهو وحدة من وحدات المجمع الكيميائي التونسي (حكومي) مختص بتحويل مادة الفوسفات إلى حمض فسفوري، وبين العامين 1979 و1985، أُنشئت وحدتان لإنتاج سماد الفوسفات ثنائي الأمونيوم، وسنة 1983، أنشئ مصنع لإنتاج نترات الأمونيوم.
وفي هذا المجمع الصناعي الضخم تتم معالجة الفوسفات، الذي يأتي من مناجم محافظة قفصة المجاورة، لتصنيع الأسمدة وغيرها من المواد الكيميائية.
وقال الخبير الاقتصادي التونسي معز المانسي إن المجمع الكيميائي يعمل على معالجة الفوسفات، القادم من الحوض المنجمي بقفصة (وسط غربي البلاد).
وأكد لـ"العين الإخبارية" أن المجمع الكيميائي يوفر قرابة 57% من الإنتاج الوطني للحمض الفسفوري المستعمل كمانع للأكسدة في المخابر والصناعات المعدنية والمستخدم أيضا في صناعة المياه الغازية ومواد التنظيف والأسمدة.
وأفاد بأن الطاقة الإنتاجية للمجمع تبلغ 330 ألف طن سنويًا من الحمض الفسفوري و650 ألف طن سنويًا من ثاني فوسفات الأمونيوم وتساهم في النمو الاقتصادي من خلال توفير المنتجات الكيميائية اللازمة للعديد من الصناعات الأخرى.
وأفاد بأن الحكومة التونسية تهدف إلى زيادة إنتاج صناعة الفوسفات ليصل إلى 14 مليون طن بحلول عام 2030 للاستفادة من الطلب العالمي المتزايد.
أسباب التلوث الناتج عن المجمع الكيميائي بمحافظة قابس
من جهة أخرى، قال الخبير البيئي التونسي عادل بن سليمان إن المجمع الكيميائي ينتج 6 آلاف طن من مخلفات الجبس الفوسفوري يوميا، يتم صرف جزء منها في البحر دون معالجة أولية خصوصا في شاطئ " السلام" الذي لا يبعد كثيرا، وهو ما يؤدي إلى تلوث بحري، وتدهور الثروة السمكية في خليج قابس.
وأكد لـ"العين الإخبارية" أن أهالي قابس يطالبون بإغلاق المجمع ووقف التلوث الذي يسببه خاصة مع تزايد الإصابات بالأمراض التنفسية والجلدية والسرطانية، والتشوهات الخلقية، ومشاكل الكلى والكبد.
وأفاد بأن قابس كانت تُعرف سابقا بنظامها البيئي الساحلي الغني باعتبارها واحة شاطئية لكن بسبب هذا المجمع انتهى القطاع السياحي حيث أغلقت أغلب الفنادق الموجودة هناك كما انهارت الثروة السمكية وتراجعت الزراعة بشكل كبير خاصة وأن قابس تعرف بإنتاج التمور والرمان.
خسائر ناجمة عن المجمع الكيميائي بمحافظة قابس
وأشار إلى الفوسفوجيبس يعرف بأنه مادة كيميائية ناتجة عن تحويل الفوسفات الطبيعي إلى حامض فسفوري، وهي مادة تتسبب في كوارث بيئية وتهدد بقاء الكائنات الحية لاحتوائها على إشعاعات نووية.
وتابع "كما ينتج عن هذه الأنشطة الكيميائية انبعاث غازات سامة في الهواء تسبب العديد من الأمراض الخطيرة لمستنشقيها".
وقد بينت دراسة للمفوضية الأوروبية كانت قد أعدتها سنة 2016 بأن وجود الفوسفوجيبس في البيئة البحرية غيّر النظم البيئية في محيط المنطقة الصناعية، وقضى على أعشاب البوزيدونيا المعروفة باسم "الذريع البحري" وهي غابات بحرية تعتبر رئة المتوسط.
واندلعت احتجاجات منذ بداية هذا الأسبوع وتواصلت إلى أمس الأحد بعد أن عانى عشرات من تلاميذ المدارس من صعوبات في التنفس وحالات اختناق في الآونة الأخيرة بسبب الأبخرة السامة المنبعثة من المصنع القريب.
ومساء يوم السبت، أسدى الرئيس التونسي قيس سعيّد، خلال لقائه بكل من وزيرة الصناعة والمناجم فاطمة ثابت ووزير البيئة حبيب عبيد، تعليماته بتوجيه فريق مشترك من الوزارتين المذكورتيْن إلى معمل الحمض الفسفوري بالمجمع الكيميائي بقابس "لإصلاح ما يجب إصلاحه في أسرع الأوقات"، وفق ما جاء في بلاغ صادر عن الرئاسة التونسية.
وأوضح قيس سعيّد أنه "يُتابع الوضع بصفة مستمرة"، مُضيفا أنه تم "الوقوف على عديد الإخلالات سواء في عمليات الصيانة والتشغيل التي أدت إلى تسربات الغاز أو على مستوى عدم إجراء الإختبارات المطلوبة على المعدات في المواعيد المحددة من قبل مختصين معتمدين".
وشدد سعيد على "الإسراع بوضع خطة استراتيجية لوضع حد نهائي لهذه الكوارث البيئية، تكون مستوحاة من الخطة التي أعدها شباب قابس منذ أكثر من عقد من الزمن".