بعد أقل من 3 أشهر من القرارات التصحيحية للرئيس التونسي، لا تزال حركة "النهضة" الإخوانية تحاول تعطيل المسار الوطني لتونس.
لم تكن "النهضة" قد اختفت كليا من الساحة التونسية، فهي شأن كل فروع ونسخ تنظيم "الإخوان" تجيد التلون والكمون، لكن القرارات الدستورية، التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد، وضعت الحركة في حالة ارتباك وفضحت انقساماتها التي كان مسكوتا عنها.
عادت "النهضة" إلى المناكفة ومحاولة التشويش على الحياة السياسية في تونس، التي بدأت خطوات إنجاز إلى الأمام، فحاولت الحركة لملمة شتات وضعها الداخلي وترميم التشققات، التي ضربت مفاصلها، بعد الخلافات الحادة والانقسامات التي دفعت أعداداً كبيرة من كوادرها إلى الاستقالة، أو التهديد بها، ما لم يخرج راشد الغنوشي، زعيم النهضة الإخوانية، من المشهد، باعتباره المسؤول الأول عن إخفاقات "النهضة" وأزماتها المتتالية طوال السنوات الماضية، بحسب كوادر الحركة.
لكن "الغنوشي" سارع بمكر مكشوف، محاولا العودة للمشهد السياسي وإثارة البلبلة مرة أخرى في الشارع التونسي بدعوته اليائسة لعودة جلسات البرلمان، الذي كان الرئيس التونسي قرر تعليق عمله ضمن قراراته التاريخية الدستورية في 25 يوليو الماضي.
لا يهدف "الغنوشي" بالطبع إلى إحياء عمل البرلمان، حسبما يعلن، فقد انتهت هذه المرحلة بلا عودة وتجاوزها التونسيون، وإنما الأمر أن "النهضة" تدرك أن مسار التصحيح، الذي بدأه الرئيس "سعيّد"، سيكتمل لأنه الأصح ولأنه الذي يحظى بتأييد التونسيين جميعا، وبالتالي فالحركة تعمل على تدمير ذلك المسار أو على الأقل تعطيله باختلاق بلبلة مراهقة من حوله.
هذا الهدف الفوضوي بعيد المدى سيظل أساسيا على أجندة الإخوان في تونس، كما هو في أجندتهم دائما في كل مكان انتشر فيه سرطانُهم.
لكن يبدو أن الهدف القريب من تلك الألاعيب الإخوانية هو محاولة الحفاظ على وجود فرعهم هناك، حركة النهضة، بأي طريقة، بعد أن وصلت إلى حافة الانهيار، وأيضاً ضمان مساحة عمل ووجود لها على الساحة السياسية التونسية.
ليس التلويح بعودة جلسات البرلمان التونسي، وغيرها من إشارات الإخوان، إلا مقدمات لمحاولة بلوغ حركة "النهضة" نقطة تفاوض ما لعودتها من جديد، وهو بالتأكيد ما يستوعبه التونسيون كشعب فهم ما وراء الإخوان من فوضى وخراب.
لقد حرصت السلطات التونسية أن تكون إجراءاتها التصحيحية في إطار الدستور والقانون، ورغم رفض الإخوان هذه القرارات وقتها، إلا أنهم يحاولون استخدام الوضع الناتج عنها حاليا لمحاولة الظهور مجدداً، فلو تمت معاملتهم على ما أحدثوه في تونس خلال السنوات الماضية من فوضى وتدمير لكان منطقيا أن يتعرضوا لمحاسبة استثنائية، لكن الرئيس التونسي حرص على عدم إعطاء الإخوان هذه الذريعة ليتحججوا بها أمام العالم بأنهم "مضطهدون"، وبغيرها من الذرائع التي يجيد الإخوان ترويجها باعتبارهم "مظلومين"، فضلاً عن ثقة الرئيس التونسي في وعي الشعب وكشفه حقيقة الإخوان، وبالتالي فإن سقوطهم السياسي نبع أولا وأخيرا من رغبة المواطن التونسي.
على التونسيين إذاً -وهم جديرون بذلك- الانتباه إلى الطابع المخادع للإخوان، والاستعداد جيداً لمواجهة مناوراتهم وتلوُّناتهم بغرض العودة مرة ثانية للمشهد، ونقطة ارتكاز التونسيين في هذه المواجهة هي وحدة الموقف بين الرئاسة والقوى السياسية الفاعلة والشعب.
وظني أن تشكيل حكومة جديدة، بقيادة السيدة نجلاء بودن، خطوة كبيرة وراسخة في هذا الاتجاه، بل هي ضربة جديدة لتنظيم الإخوان في تونس، فهي تقطع الطريق على ادعاءات "النهضة" وتباكيهم المزيف على ما يسمونه "المسار الديمقراطي"، كما أن اختيار سيدة لرئاسة الحكومة في تونس أمر جدير بالاحترام، ومن شأنه زيادة التفاف التونسيين حول رئيسهم، فضلاً عما تتمتع به السيدة "بودن" من سمعة طيبة وتاريخ ناصع في الحياة العامة.
هذه الإجراءات والخطوات، التي تمضي قدماً بالحياة السياسية التونسية نحو الأكثر استقراراً، هي السبيل الأفضل للقضاء على الإخوان في تونس، وسد الذرائع، التي ينهمكون دائماً في اختلاقها بدلا من التفاتهم إلى مراجعة أنفسهم وتصحيح أخطائهم وخطاياهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة