"بين القصرين" في تونس.. أزمة اليمين وسيناريوهات التصعيد
أزمة تتصاعد بين قطبي السلطة التنفيذية في تونس، وسط انسداد آفاق الحل، ما ينذر بسيناريوهات تهدد بارتدادات سلبية قد تدك الإخوان بشكل خاص.
شد وجذب يستمر بين رئيسي البلاد قيس سعيد والحكومة هشام المشيشي، على خلفية رفض الأول أداء وزراء جدد لليمين الدستورية، ما يضع التشكيلة الوزارية عقب التعديل في طريق مسدود.
أزمة أخرجت الصراع بين الرجلين إلى العلن، وأججت الحرب المستعرة بين القصرين (قرطاج والقصبة)، وقسمت الرأي العام المحلي بين مؤيد لموقف سعيد الرافض لأداء وزراء لليمين في ظل وجود شبهات فساد تلاحقهم، ورافض له.
وفي ظل غياب المحكمة الدستورية المعنية بالنظر في مثل هذه الخلافات، تراوح أزمة اليمين مكانها منذ أكثر من أسبوعين، في وقت تستمر فيه الاحتجاجات الاجتماعية المطالبة بالتشغيل وتحسين الأوضاع الاقتصادية، ويتواصل فيه نزيف الاعتقالات.
سعيد مصمم
مصادر من قصر قرطاج، قالت لـ"العين الإخبارية"، إن سعيد مصمم على عدم قبول وزراء المشيشي الجدد (11)، كما رفض مراسلة من الحكومة تدعوه إلى تحديد موعد لأداء اليمين.
وأضافت أن الشرط الذي وضعه الرئيس التونسي هو إبعاد التأثير الإخواني على الحكومة، مع تعهد المشيشي بفك الارتباط السياسي مع التحالف البرلماني المتكون من حزب "النهضة" وائتلاف الكرامة" (إخوان) و"قلب تونس" (ليبرالي متحالف مع الإخوان).
وردا على موقف سعيد، أطلق التحالف الإخواني حملات إلكترونية قادتها صفحات محسوبة عليه، تستهدف الرئيس التونسي وتحرض عليه، ما جعل أنصار سعيّد يطالبون بحل البرلمان ومحاسبة رئيسه -زعيم الإخوان- راشد الغنوشي، وذلك في إطار احتجاجات انتظمت مؤخرا أمام مقر وزارة الداخلية بالعاصمة.
في المقابل، لوح القيادي في حزب "قلب تونس"، عياض اللومي، في تصريحات إعلامية، بالمضي قدما في تجميع عريضة برلمانية تهدف إلى عزل الرئيس والإطاحة به، في خطوة تخلق انسدادا إضافيا لآفاق الحل السياسي في البلاد، وتؤجج نيران الفرقة بين المؤسسات السياسية القائمة.
سيناريوهات الأزمة
أمام استفحال الأزمة وغياب الوساطات المؤثرة، طالبت العديد من الأطراف السياسية في تونس (حزب "التيار الديمقراطي" وحركة "الشعب") رئيس الحكومة هشام المشيشي بالاستقالة أو إلغاء التعديل الوزاري، سعيا نحو تهدئة المناخ السياسي المشحون الذي ضاعف منسوب الانهيار الاقتصادي.
ومن مؤشرات الانهيار الاقتصادي؛ صيحة الفزع التي أطلقها محافظ البنك المركزي مروان العباسي، بالقول في تصريحات إعلامية، إن خزينة الدولة لا تقدر إلا على تلبية حاجيات الدولة لمدة 17 يوما فقط.
كما أصدرت شركة "أي إتش إس ماركت" المتخصصة في التحاليل الاقتصادية وإنجاز التقارير الدورية في العالم، دراسة تفيد بأن مديونية تونس تحولت إلى دين غير قابل للتحمل، إذ يمثل قائم الدين العام 90 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما قدر عجز موازنة 2020 بـ11 بالمئة.
مؤشرات تختزل انسداد أفق على جميع المستويات، وتفتح المجال لقراءات مختلفة في علاقة بالأزمة السياسية الراهنة.
نرجس بن قمرة، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة التونسية، ترى أن سيناريوهات الحل تتجاوز القراءات الدستورية في ظل غياب محكمة دستورية بإمكانها الحسم بشكل كلي في المسألة.
وقالت بن قمرة، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "الحل يكمن في عرض النظام السياسي التونسي (النظام البرلماني) على الاستفتاء الشعبي لتعديله".
واعتبرت أن الدستور الذي كتبته الأغلبية الإخوانية العام 2014 لم يقدم حلولا للبلاد، بل شتت السلطات بين رئاسات ثلاث (الرئاسة والبرلمان والحكومة).
ولفتت إلى أن ما تقدم يعكس مخططا إخوانيا لإفشال الدولة وضرب هياكلها وأسسها، مع وجود تصميم من التنظيم على تجييش خلاياه النائمة لضرب استقرار البلاد.
الورقة الأخيرة
يرجح محللون بأن معركة كسر العظام بين المشيشي وسعيد سيطول أمدها، حيث لم يتبق أمام رئيس الحكومة سوى لعب ورقته الأخيرة المتمثلة في اللجوء إلى المحكمة الإدارية التي تعنى بالنظر في القضايا المتعلقة بين مؤسسات الدولة، لتقديم شكوى ضد سعيد، أملا بقرار قضائي يحقق له "نصرا" جزئيا.
الخبير في القانون الدستوري عبدالحق بن مختار، يرى أن تحول صراعات حكام تونس من أروقة السياسة إلى المحاكم يعتبر سابقة من نوعها في التاريخ الحديث للبلاد.
وأضاف بن مختار، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن تونس لم تشهد أزمة مستفحلة كالتي تشهدها اليوم، معتبرا أن لجوء المشيشي للمحكمة الإدارية هو بمثابة الورقة الأخيرة للرجل من أجل تثبيت موقعه في قصر الحكومة.
وختم بالقول إنه في حال عدم استجابة المحكمة الإدارية لشكوى المشيشي، فسيكون كتب، حينها، نهايته السياسية التي تحتم خروجه من المشهد السياسي العام.
aXA6IDMuMTQ1Ljk3LjIzNSA= جزيرة ام اند امز