سماح الماجري مخرجة فيلم «صليحة» لـ«العين الإخبارية»: رصدت حياتها من خادمة إلى أيقونة للفن التونسي
"صليحة صوت تونس الأعماق" فيلم وثائقي روائي جديد للمخرجة التونسية سماح الماجري، احتضنته مدينة الثقافة بتونس.
الفيلم ينبش في تفاصيل حياة مطربة تونس الأولى ويوثق مسيرتها الفنية اللامعة، حيث سطع نجم هذه الفنانة منذ اكتشافها عام 1938، وتواصلت مسيرتها في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.
ويحكي الفيلم مسيرة الفنانة صليحة الملقبة بـ"كوكب المغرب العربي"، ويتناول سيرة حياتها والظروف العائلية القاسية التي دفعتها للعمل في البيوت حيث اشتغلت خادمة في قصر الباي ثم في منزل الفنانة التونسية "بدرية".
واعتمدت مخرجة الفيلم على " الفلاش باك"، حيث انطلق المشهد الأول بظهور صليحة في المستشفى في آخر أيام حياتها وهي تستمع للإذاعة التي بثت إعلانا عن إلغاء حفلها بسبب وضعها الصحي، ولكنها تغامر بالهروب والذهاب إلى الحفل، ومن هناك يعود الفيلم لفترة طفولتها وحياتها الفنية والاجتماعية والأسرية.
وكان الفيلم من بطولة الفنانة التونسية ليلى جفال التي أتقنت تقمص الدور لتقارب ملامح الوجه بينها وبين صليحة.فيما جسدت الفنانة ملكة الشارني دور صليحة الطفلة.
صليحة ولدت عام 1914 بمحافظة الكاف شمال غربي البلاد من أصول جزائرية وتوفيت في 26 نوفمبر 1958 بمدينة تونس.
كانت صاحبة صوت شجي بمسحته البدوية وقدمت أجمل الأغاني التي ما زال يرددها التونسيون رغم مرور عقود على وفاتها.
ورغم أنها توفيت في سن صغير عن عمر 44 عاما فإنها استطاعت أن تثري المدونة الفنية والغنائية التونسية بأجمل الأغاني لعل أبرزها "فراق غزالي" و"أم الحسن غنات"و"آه يا خليلة" و"في الغربة فناني" و"بخنوق" و"ساق نجعك ساق" و"عرضوني زوز صبايا"، وساهمت في ترسيخ هوية الأغنية التونسية.
وتعد أغاني صليحة من أبرز الأغاني التي ما زال يرددها التونسيون بعد مرور أكثر من ستين سنة على وفاتها فلا تكاد تخلو أي مناسبة سعيدة في تونس عن تمرير أغانيها وترديدها من قبل الفنانين والرقص على نغماتها.
كما تواصلت أغانيها حتى بعد وفاتها بعد أن أخذت ابنتها شبيلة راشد (1933 - 2008) المشعل عنها.
ورغم أنه في رصيد شبيلة راشد 40 أغنية خاصة، لكنها نذرت حياتها الفنية للمحافظة على تراث والدتها الفنانة صليحة.
من الاشتغال في البيوت إلى النجومية
منذ طفولتها، اشتغلت صليحة في منزل المطربة التونسية بدرية والتي كانت تنظم الجلسات الموسيقية في منزلها وتستضيف مجموعة كبيرة من الموسقيين والمغنيين.
وكانت صليحة تسترق دائما السمع إلى هذه الجلسات الموسيقية ومن خلاها تدربت على الغناء بمفردها إلى أن اكتشفت بدرية أمرها فطردتها خوفا من أن تتحول إلى منافستها مستقبلا.
حيث تصادف في أحد الايام مرور حسونة بن عمار المحامي، بقرب منزل "بدرية" الذي تعمل به في شارع ”نهج الباشا ” ولم تكن تتعدى سن الثالثة عشرة وقتها عام 1927، فتمايل حينها طربا مع صوتها الشجي وهو المعروف عنه بعشقه للغناء والموسيقى، حيث كان يظنها الفنانة "بدرية" وعندما أخبر مشغلتها بذلك قامت الفنانة بطردها، ثم اكتشف صوتها الشجي الفنان الباجي السرداحي.
وبعد سنوات ،كان الحظ حليفها فقد اختارها الفنان محمد التريكي لإحياء الحفل الفني على ركح المسرح البلدي بالعاصمة مساء يوم 14 أكتوبر سنة 1938 بمناسبة تأسيس « محطة تونس البريدية» التي أصبحت تعرف في ما بعد بالإذاعة التونسية.
كان ذلك الحفل طالع خير عليها فتشاء الصدف ثانية أنّ يحضر حفلها الأوّل المحامي المنصف العقبي، فهنّأها بالنجاح ودعاها صحبة الفرقة إلى حفل عائلي ببيته، حضره بالخصوص مصطفى صفر شيخ المدينة ورئيس جمعيّة الرشيدية آنذاك، وقد أعجب هو أيضا بصوتها ودعاها إلى الرشيدية للعمل فيها مقابل مرتّب شهري وإقامة مضمونة، بشرط التخلي عن مكتشفها الأوّل الباجي السرداحي وعن المشاركة في الحفلات الخاصّة والعامّة.
أصبحت صليحة مطربة الرشيدية الأولى، بل مطربة تونس في الأربعينيات والخمسينيات، فقد غنّت كل أغانيها على تنوّع نغماتها ومقاماتها وموضوعاتها في إطار مدرسة الرشيدية الفنيّة وبعناية كبار المؤلّفين والملحّنين.
وبمرور السنوات، أصبحت صليحة فنانة الرشيدية الأولى (الرشيدية أهم مؤسسة موسيقية على المستوى الوطني).
سجل فني حافل
وقالت مخرجة الفيلم سماح الماجري لـ"العين الإخبارية" إنها اختارت النبش في مسيرة هذه الفنانة التونسية العملاقة نظرا لسجلها الفني الحافل، موضحة أنها استندت للمعطيات الموجودة بالفيلم إلى وثائق ومعلومات من فريق عمل مهم وموثوق يضم المتخصصين في التراث التونسي عبدالستار عمامو والموسيقار التونسي فتحي زغندة كمستشار فني.
وأكدت أن تحضير هذا الفيلم استغرق 3 سنوات منذ سنة 2019 لأن العملية لم تكن سهلة: "النبش في التاريخ عملية صعبة خاصة وأن هذا التاريخ يتعلق باسم فني ضخم مثل صليحة التي أحبها الجمهور خلال مجدها وعشق صوتها بعد وفاتها وما زالت محبوبة الجماهير إلى اليوم".
وأشارت مخرجة الفيلم إلى أن صليحة لم تأخذ حظها سينمائيا أو دراميا لتوثيق مسيرتها الضخمة، ما جعلها تسعى لإنجاز هذا العمل.
aXA6IDMuMTQ5LjI0LjE0NSA= جزيرة ام اند امز