تونس.. شركة عمرها 132 عاما تعكر مزاج الشعب
إرث ثقيل تركته المنظومة السابقة في جميع المؤسسات الحكومية التونسية منذ صعود الإخوان للحكم في سنة 2011، ما أوصل البلاد إلى وضعية اقتصادية صعبة.
ومنذ 25 يوليو/تموز 2021، انطلقت السلطات التونسية في عملية تدقيق شاملة لجميع المؤسسات الحكومية التونسية التي أوشكت على الإفلاس بعد ما تم إغراقها بالموظفين وسرقة أموال الدولة، ويأتي على رأس هذه المؤسسات وكالة "التبغ والوقيد".
وتمتلك وكالة التبغ والوقيد الحقوق الحصرية لاحتكار إنتاج وتوزيع السجائر في تونس، وهي واحدة من أكبر الشركات المحلية حيث تشغل بطريقة مباشرة 3000 شخص وبطريقة غير مباشرة 22 ألف شخص.
وتحاصر هذه المؤسسة شبهات فساد في ظل فشل كل محاولات الإصلاح ومواجهة الحكومات المتعاقبة للاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية في البلاد، الرافض قطعيا للخصخصة.
وقد أفادت وزيرة المالية التونسية، سهام البوغديري، خلال جلسة برلمانية الخميس، بأن قطاع التبغ محل عملية تدقيق من طرف هيئة الرقابة العامة للمالية بالوزارة التي قدمت تقريرا لبعض النتائج لكن توجد أوجه أخرى ما زالت تجري بشأنها مهمة الرقابة.
وتابعت "أذنت بالتدقيق الشامل في هذه الوكالة"، مشيرة إلى أن التقارير أولية وما زالت العملية متواصلة بشكل معمّق .
وأكدت وجود ملفات فساد تحوم بملف وكالة التبغ في البلاد، قائلة إنه تم اتخاذ قرارات لتحسين حوكمة الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد والرفع من قدرتها الإنتاجية وكذلك الشأن بمصنع التبغ بالقيروان، بهدف مزيد تسويق المنتج المنظم للاستجابة لاحتياجات السوق.
وأكدت أن تهريب السجائر إلى تونس يكبد الدولة خسائر كبيرة ويزيد في خسائر هذه المؤسسة، ما دفع الدولة لتكثيف جهودها في مقاومة التهريب.
وبينت أنه توجد حملة وطنية من طرف مصالح الجمارك للتصدي لتجارة التبغ المهرب وتم حجز ما يقارب 30 مليون علبة تبغ مهربة.
وأوضحت ان القطاع الحالي المنظم للتبغ يؤمن 80% من احتياجات السوق.
وأشار تقرير حكومي للرقابة ،إلى وجود خلل يتعلق بعدم الشفافية في ما يتعلق بالتعيينات والتوظيف وتأخر كبير في إنجاز البرامج الاستثمارية المتعلقة باقتناء تجهيزات الصنع، ما ترتب عنه تكبد الوكالة لكلفة إضافية تقدر بحوالي 2.2 مليون دينار (780 ألف دولار) من سنة 2012 إلى سنة 2014.
وفتحت الامتيازات المقدمة للموظفين باب الفساد بعد أن تحولت إلى منطلق للرشوة وتقديم الهبات وإسناد امتيازات غير مشروعة ما يعني عبئا ماليا على خزانة وكالة التبغ والوقيد، وهو ما كشفه التقرير حيث يتم تمكين موظفين في الوكالة ومحالين على التقاعد وأعضاء مجلس الإدارة من حصة شهرية من علب السجائر دون أي سند قانوني أو ترتيبي.
وترتبط الوكالة بقطاع زراعة التبغ التونسي، حيث تقوم حصريا بشراء ما يتم حصده من أكثر من 9000 مزارع تبغ في ولايات الشمال (جندوبة و نابل و بنزرت وباجة) يعني 3048 طنا.
وتصنع الوكالة 455 مليون علبة سجائر توزع على 111 ألف بائع بائع سجائر في مختلف المحافظات التونسية، وتستود حوالي 145 مليون علبة سجائر أجنبية وتتحكم نظريا في الأسعار.
وقال الخبير الاقتصادي التونسي حسن عبدالرحمن، إن وكالة التبغ والوقيد تعد من أكثر المؤسسات التي نخرها الفساد منذ سنة 2011.
وأكد في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن هذه المؤسسة الحكومية تم تأسيسها سنة 1891 تحت الاستعمار الفرنسي وتم تحويلها إلى وكالة حكومية سنة 1964. واندمجت منذ عدة سنوات مع مصنع التبغ بالقيروان الذي أسس سنة 1981.
وأوضح أن هذه الشركة كانت تدر أموالا كثيرة على الدولة طيلة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، لكن بعد 2011 أصبحت هذه المؤسسة تعاني شبح الإفلاس، ما دفع السلطات التونسية للتفكير في خصخصتها قبل تدخل الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر منظمة نقابية في تونس ويقول إن "الخصخصة خط أحمر".
وأكد أن جميع الحكومات المتعاقبة بعد 2011 لم تحاول إصلاح هذه المؤسسة بصفة جذرية رغم التقارير الحكومية التي تثبت مدى تمدد الفساد داخلها وبقيت الأمور على حالها.
وأوضح أن "هذه المؤسسة تعاني من مشاكل هيكلية لا بد من حلحلتها إضافة إلى ضرورة تضخ الأموال لإنقاذها من شبح الإفلاس".