نفضت تونس عن نفسها غبار الإخوان ووضعت حدا لتحكمهم في البلاد وقيادتها إلى الفوضى والاضطراب.
وذلك بعد أن قام الرئيس قيس سعيد يوم 25 يوليو الماضي بإقالة حكومة هشام المشيشي وتعليق عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، لتكتب تونس بذلك شهادة أفول هذه الجماعة رسميا بعد أن لفظتها جميع الشعوب العربية.
لقد عانى التونسيون كثيرا تحت وطأة حكم الإخوان، مثل غيرهم من الشعوب العربية، التي وقعت في فخاخهم، حتى فاض الكيل بهم، فخلال عشر سنوات فشلت الحكومات التونسية المتعاقبة، التي هيمن عليها الإخوان، ممثلون في حركة "النهضة"، في تحقيق أي إنجازات للشعب التونسي، بل على العكس، شهدت البلاد تراجعا مستمرا على المستويات كافة، ودخلت في أزمة غير مسبوقة وصلت إلى ذروتها خلال العامين الأخيرين مع الفشل في مواجهة جائحة "كوفيد-19"، الذي جعل التونسيين يشعرون بالإحباط.
فمعدلات الوفيات الناجمة عن الفيروس في تونس أصبحت هي الأعلى في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، فيما فشلت الحكومة، الخاضعة لهيمنة الإخوان، في توفير اللقاحات للسكان، فمجموع من تم تطعيمهم حتى يوم 25 يوليو 2021 لم يتجاوز 8 في المائة من سكان البلاد، البالغ عددهم 11.9 مليون نسمة.
وانتشرت مقاطع الفيديو والصور، التي تظهر كيف فشلت هذه الحكومة في توفير الأكسجين للمرضى في المستشفيات.
وعلى المستوى الاقتصادي، عانى التونسيون من تراجع معدلاته حتى قبل تفشي جائحة "كوفيد-19"، حيث ارتفعت نسبة البطالة إلى نحو 18%، وفقا للإحصاءات الرسمية، فيما قفزت بطالة الشباب إلى أكثر من 36% بنهاية عام 2020، وانكمش الاقتصاد التونسي في عام 2020 بنسبة 9%، في وقت وقفت الحكومات الخاضعة لهيمنة حركة "النهضة" الإخوانية عاجزة عن معالجة أي من المشكلات الحقيقية في البلاد.
وعلى المستوى السياسي، دخلت حركة "النهضة" الإخوانية في خلافات مستمرة مع الأطراف السياسية الأخرى ومؤسسات الدولة من أجل بقائها واستحواذها على السلطة فقط، وهو الأمر غير المستغرب منهم، فهدف الإخوان دائما هو الهيمنة على السلطة، الأمر الذي أدخل البلاد في أزمات سياسية متواصلة طوال السنوات العشر الماضية.
لقد دفعت هذه الأوضاع التونسيين للخروج إلى الشارع، مطالبين بحل البرلمان وإقالة الحكومة، وهو الأمر الذي استجاب له الرئيس التونسي قيس سعيد، بعدما أيقن أن البلاد ماضية في طريق الفوضى والخراب تحت سيطرة الإخوان، فأقدم على اتخاذ هذه الخطوات لإنقاذ بلاده وشعبه من قبضة الإخوان ومخططاتهم وسياساتهم الظلامية.
ما حدث في تونس يشبه ما حدث في مصر عام 2013 عندما انتفض الشعب المصري ضد حكم الإخوان وأطاح بهم بعد اكتشاف مشروعهم التخريبي، ليثبت مجددا فشل جماعة الإخوان بكل فروعها في إدارة شؤون الحكم، كونها جماعة إقصائية تعمل على فرض وصايتها وأجندتها المتطرفة على المجتمع، والابتعاد عن مطالب الشعوب الحقيقية الساعية إلى الاستقرار والتنمية والرخاء.
ما حدث في تونس أمر بالغ الأهمية، رغم أنه تأخر كثيرا، وسيكون له بالطبع تأثيراته المهمة على مجمل الحركات الإخوانية في المنطقة العربية، لأنه يؤكد أن الشعوب العربية لم تعد تحتمل هذه الجماعة الإقصائية وسياساتها، ما يعزز التفاؤل بقرب أفول هذه الجماعة، ليس فقط عربيا، بل وحتى دوليا، في ظل ما نشهده حاليا من إجراءات وخطوات تتخذها الدول الأوروبية المختلفة لتقييد هذه الجماعة وحظر أنشطتها.. فإذا كان ربيع الإخوان بدأ في تونس، فإن خريفهم سيكتب أيضا من تونس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة