في ظل الاحتجاجات الغاضبة التي تحركها الأزمة المعيشية والمناهضة لراشد الغنوشي وحركة النهضة.
والتي تعالت خلالها هتافات تصفه "بالسفاح"، في ظل العثور على وثائق سرية تفيد بوجود تواصل بين إخوان تونس وأفرع أخرى لتنظيم الإخوان الإرهابي، وتُظهر مخططاً لتنفيذ عمليات إرهابية واغتيالات داخل تونس، وسط تصاعد منسوب الغضب من التراجع الاقتصادي الذي يلقي بظلاله على حياة ملايين التونسيين، وفي ظل استفزازات الغنوشي، ولسان الشعب التونسي يردد: تونس إلى أين؟
تبدو هذه "الاحتجاجات" اختباراً مصيرياً بالدرجة الأولى لحركة النهضة التي يقودها الغنوشي، ذلك أن المحتجين يطالبون بمحاسبته وحلّ البرلمان الذي يترأسه ويهيمن عليه عبر حلفائه، وهو ما يضع الغنوشي في مواجهة مباشرة مع المحتجين؛ للمحافظة على بقاء قبضة التنظيم الدولي للإخوان على تونس، كما أنها تزامنت مع الاستفزازات، والمناورات، والصراع القانوني الدستوري مع رئيس الجمهورية، والتي اندلعت كما يبدو بعد محاولات الغنوشي الدخول أو حتى الاستيلاء على أهم صلاحيات قيس سعيد وهي "السياسة الخارجية".
يرى الأغلبية أن الأزمات التي تعيشها تونس مركبة ولا يمكن فصل إحداها عن الأخرى، حيث اختلط فيها السياسي مع القانوني مع الأيديولوجي، لتكشف جميعها عن حالة من المرض العضال الذي يصعب الشفاء منه بسهولة، لكنها بدرجة أولى "أيديولوجية" تتمثل في زعيم حركة النهضة الإخواني المهيمن على البرلمان، والذي يريد نظاماً برلمانياً يحكمه الإخوان يسيطر من خلاله على مفاصل الدولة التونسية، ومدى استمراره على حساب مصالح تونس الداخلية والخارجية، ثم تشريعية نتيجة نظام حكم هجين "برلماني معدل" والذي أثبت عدم جدواه، وبدّد أي أمل للنهوض بواقع تونس السياسي، مع إجماع على أن مجلس نواب الشعب بحكومته وأدائه الحاليين أصبح عبئاً على البلاد، والانتقال الديمقراطي عموماً، وأن أحد الأسباب الجوهرية لتعطل البرلمان هو سوء التسيير من قبل رئيس المجلس، وهو المسؤول الأول عن إدارة المؤسسة التشريعية، وأنه غير كفء لإدارة البرلمان، وغير متمكن من النظام الداخلي وأمن الدستور.
وما يؤكد ذلك سعي الغنوشي لتفادي الأزمة المرتبطة باليمين الدستورية للوزراء الجدد أمام الرئيس قيس سعيد، الاتجاه لتكوين حكومة مصغرة من ضمن الحلول الأخرى المطروحة، بينما بعض الأصوات البرلمانية ترى أن إسقاط حكومة "المشيشي"، وسحب الثقة من "الغنوشي"، والاتفاق حول تركيبة حكومية جديدة، هي السبيل نحو عبور تونس المطب الدستوري، وإلى بر الأمان بإزاحة "الغنوشي والإخوان" اللذين يخلقان المشاكل.
تونس تعيش أزمة خانقة، فعندما تسيطر جماعات الإسلام السياسي على السلطة تقود الدولة إلى الفشل، والأمثلة تظهر لنا جلية في "العراق ولبنان" اللذين ارتبطا بمحاصصات حزبية، أراد فيها كلّ طرفٍ سياسيّ نصيبه من السّلطة، كما أن تونس تعيش متاهة سياسية، كذلك نتيجة هروب منظومة الحكم من مواجهة الأزمات التي يعاني منها الشعب التونسي، وكارثة الاقتصاد الضعيف الذي يعصف بالبلاد ولا يجد أي حلول حقيقية، وسريان قوانين بالية منها ما يعود إلى حقبة الاستعمار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة