تونس وحافلة الأمن الرئاسي.. من جراح 2015 إلى تجاوز إرث الإخوان
لم تعد ذكرى 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 مجرد تاريخ في الروزنامة التونسية، بل تحولت إلى علامة فارقة تختصر عقداً كاملاً من المواجهة المفتوحة مع إرهابٍ تمدد في البلاد تحت مظلة الارتخاء الأمني والخطابات المتطرفة خلال سنوات حكم الإخوان.
وفي كل عام تعود صورة الحافلة المحترقة التابعة للأمن الرئاسي لتذكّر التونسيين بثمن الدم الذي دفعوه، وتعيد إلى الواجهة سؤال الدولة القوية وقدرتها على حماية جمهورها ومؤسساتها. غير أنّ تونس 2025 تبدو مختلفة؛ دولة تعلّمت من جراحها، وبدأت تتحسس طريقها بثبات نحو أمن مستعاد وقرار سيادي لم يعد يُساوَم.
وبينما يتحدث المسؤولون والعسكريون اليوم بثقة أكبر عن وضع أمني «مستقر ومتحسّن»، فإن هذه الكلمات ليست مجرد عبارة بروتوكولية بل حصيلة سنوات من العمليات الاستباقية، وفتح المسالك الوعرة في جبال الشعانبي وسمامة والمغيلة والسلوم، وتجفيف منابع الإرهاب التي ترسخت منذ 2011.
فهل انتزعت تونس جذور الإرهاب؟
مع غياب الهجمات خلال العام الجاري، وتأكيد الأجهزة الأمنية اختفاء «فلول» التنظيمات المتشددة، تبدو تونس وكأنها تنتزع جذور العنف من تربتها، وتطوي صفحة سوداء طالت أكثر مما يجب.
وأكد مراقبون للمشهد السياسي أن تونس تعمل منذ 25 يوليو/تموز 2021 (تاريخ الإطاحة بحكم الإخوان) على استئصال جذور الإرهاب المتغلغل في البلاد منذ 2011.
ومؤخرًا، قال وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي إن الوضع الأمني يُعدّ مستقرًا نسبيًا، رغم ما يشهده الوضعان الإقليمي والعالمي من توترات، مشيرًا إلى تحسّن مطّرد وملموس ساهمت فيه القوات العسكرية والأمنية عبر العمليات الاستباقية في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والضغط على العناصر المشبوهة وشلّ تحركاتها.
وأضاف الوزير، خلال جلسة عامة في البرلمان التونسي، أنه في إطار استثمار النجاحات المحققة في مكافحة الإرهاب، تواصل الوحدات العسكرية تنفيذ مهامها في الوسط الغربي، بهدف فتح ومراقبة جميع المسالك، على غرار ما أُنجز في جبال الشعانبي وسمامة والمغيلة والسلوم (وسط غربي تونس المتاخم للحدود الجزائرية)، لمنع تحرّك العناصر الإرهابية.
ثمن باهظ
من جهته، قال الناشط السياسي التونسي خالد بن طاهر إن تونس دفعت خلال العشرية الماضية ثمنًا باهظًا في فترة حكم حركة النهضة وحلفائها، نتيجة الارتخاء الأمني والتسامح مع الخطابات المتطرفة وفتح المجال أمام تغلغل الجماعات المتشددة.
وأكد للعين الإخبارية أن تونس شهدت منذ 2011 هجمات إرهابية أدت إلى مقتل العشرات من رجال الشرطة والسياح الأجانب وغيرهم، إضافة إلى اغتيال سياسيين تونسيين هم: شكري بلعيد ومحمد البراهمي ولطفي نقض.
وتابع: "لكن في السنوات القليلة الماضية نجحت تونس في اقتلاع الإرهاب من تربتها واستئصال جذوره، بفضل اليقظة الأمنية والعسكرية، إذ لم تشهد البلاد خلال العام الحالي أي حادث إرهابي".
وفي إبريل الماضي، أكد المتحدث الرسمي باسم الإدارة العامة للأمن الوطني، العميد عماد مماشة، أنه لم تعد هناك "فلول" لجماعات إرهابية في تونس، قائلاً: "إن تونس آمنة وستبقى آمنة رغم أنف الجميع".
كما أوضح مماشة أن الوضع الأمني في تحسّن، وأن البلاد تنعم بالأمن والأمان منذ سنوات، داعيًا المواطنين إلى الإبلاغ عن أي خطر قد يهدد الأمن القومي التونسي نظرًا لأهمية دورهم في مكافحة الإرهاب.
هجوم 2015
وفي مثل هذا اليوم، 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، استهدف هجوم إرهابي غادر قوات الأمن الرئاسي في العاصمة تونس.
وأسفر الهجوم عن مقتل 12 عنصرًا وإصابة 20 آخرين من موظفي الأمن الرئاسي، كما أُصيب أربعة مدنيين بجروح طفيفة، في حين كانت الجثة الثالثة عشرة التي عُثر عليها في موقع الانفجار تعود لمنفّذ الهجوم.
وحسب بيان رسمي، تبنت كتيبة عقبة بن نافع العملية، وأعلنت أن منفّذها يُدعى "أبو عبد الله التونسي".
وجاء هذا الهجوم بعد أسبوع من إيقاف 17 إرهابيًا كانوا يخططون لتفجيرات ضخمة تستهدف عدّة فنادق ومراكز للشرطة، كما جاء بعد 11 يومًا من حادثة قطع رأس مبروك السلطاني، الراعي الذي يبلغ من العمر 16 عامًا، في جبال سيدي بوزيد على أيدي مسلحين ينتمون إلى كتيبة عقبة بن نافع.