حكومة تونسية بلا أحزاب.. هل يرمم المشيشي دمار الإخوان؟
استبعاد إخوان تونس من الحكومة وجد صدى إيجابيا لدى شرائح واسعة من المراقبين، خصوصا في ضوء المحصلة الواهنة لسنواتهم بالحكم.
حكومة خالية من التمثيلية الحزبية، تستبطن في عمقها إفلاتا من أداء كارثي لتشكيلات وزارية متحزبة يهيمن عليها الإخوان، عصفت بالبلاد ودفعتها نحو شفير الهاوية.
معادلة جديدة ومختلفة تعتمدها تونس، عقب نجاح حكومة رئيس الوزراء هام المشيشي في انتزاع الثقة من برلمان يهيمن عليه الإخوان، بأغلبية 134 صوتا مقابل 67 معارضًا، في نهاية جلسة استمرت لأكثر من 10 ساعات، أمس الثلاثاء.
إقرار ضمني بالفشل
لإخوان تونس الكتلة البرلمانية الأكبر بالبرلمان، وإذا ما أضيف إليها نواب الكتل الموالية لهم (ائتلاف الكرامة مثلا)، كان بإمكانهم عرقلة مرور حكومة المشيشي، لكن إقرار الفرع الإخواني ضمنيا بالفشل في إدارة دواليب الدولة منذ 2011، وخوفهم من شبح إعادة الانتخابات، لم يترك لهم من خيار سوى القبول بحكومة غير متحزبة.
ويرى مراقبون أن الإخوان أُجبروا على القبول بالإقصاء من الجهاز التنفيذي مقابل الاحتفاظ بكتلتهم الأكبر في البرلمان، بهدف التنصل من تبعات فشلهم، مع البقاء بالمؤسسة التشريعية التي تضمن لهم في نهاية المطاف توجيه دفة القوانين والتشريعات.
وتبعا لما تقدم، تعتبر حكومة المشيشي "استثنائية" كونها الأولى التي استطاعت التخلص، منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي عام 2011، من التمثيلية الحزبية خصوصا من حركة النهضة، ذراع الإخوان بالبلاد.
وفي مؤتمر صحفي عقده يوم تكليفه بتشكيل الحكومة، ربط المشيشي هذه الفلسفة الجديدة في اختيار وزرائه بفشل الأحزاب في إدارة الحكم، وعدم قدرتها على إنقاذ البلاد اقتصاديا واجتماعيًا.
ورغم بعض التحفظات الحزبية، إلا أن نهج استبعاد إخوان تونس من الحكومة وجد صدى إيجابيا لدى شرائح واسعة من المراقبين، خصوصا في ضوء المحصلة الواهنة لسنواتهم بالحكم، وأدائهم الكارثي على جميع المستويات، بشهادة المؤشرات المالية والاقتصادية الراهنة للبلاد.
مطلب شعبي
الكاتب الصحفي بسام حمدي، رأى أنه بإمكان رئيس الحكومة أن يعمل في مناخ "مريح " في ظل غياب الأحزاب التي غلب عليها منطق المحاصصة والغنيمة والتربح من السلطة بطرق غير شرعية.
وفي حديث لـ "العين الإخبارية"، قال حمدي إن المنطلقات التي دفعت المشيشي لاختيار حكومة مستقلة كانت مطلبا شعبيا وسياسيًا منذ بداية 2020، خاصةً في ظل غياب البرامج الحزبية الكفيلة بالقفز بمستويات النمو المتدنية.
وتضم حكومة المشيشي 28 وزيرا، أغلبهم من الكوادر السامية في الإدارة التونسية، ومن رجال القانون والمحامين والقضاة المستقلين.
وبالنسبة لحمدي، فإن "تخفيف الحكومة من الضغوطات الحزبية وخاصة منها حركة النهضة، سيعطي للتشكيلة الوزاريية القدرة على انسجام كان مفقودا في حكومة إلياس الفخفاخ المستقيلة".
تحذيرات و"سنوات عجاف"
رغم غياب التمثيلية الإخوانية المباشرة في حكومة هشام المشيشي، إلا أن رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، أطلقت، بالأيام الماضية، "صافرات إنذار"، محذرة من اختراقات محتملة قد تنفذها "غواصات " الإخوان.
وأكدت موسي في مداخلتها البرلمانية خلال جلسة منح الثقة، أن الشرط الأساسي لنجاح حكومة المشيشي هو إبعاد الأشباح الاخوانية التي من الممكن أن تتخفى وراء شخصيات مستقلة.
ولفتت النائبة إلى أنها أعلمت المشيشي بأن حزبها سيظل يراقب مدى استقلالية الحكومة، معتبرة أن تونس عانت كثيرا من حكم الإخوان وأذرعهم الإرهابية وترسانتهم التدميرية.
وتتهم رئيسة الدستوري الحر، زعيم الإخوان بالبلاد راشد الغنوشي، باحتضان الفكر الإرهابي في تونس، وخلق مناخ تكفيري يستهدف الطبقات العلمانية وأصحاب الفكر المستنير.
من جانبها، تعتبر منى الفرشيشي، رئيسة الحراك المستقل "من أجل تأسيس جديد"، أن فترة حكم الإخوان، منذ حكومة حمادي الجبالي في 2012 وصولا إلى حكومة الفخفاخ المستقيلة، كانت "سنوات عجاف" على الاقتصاد التونسي والأمن القومي.
وتتفق على هذا التشخيص غالبية الأحزاب الممثلة للكتل البرلمانية، حيث تميزت تصريحات ممثلي كل من حركة الشعب القومية (18 نائبا من أصل 217)، والتيار الديمقراطي (22 نائبا) ، والدستوري الحر (16)، والعديد من النواب المستقلين، بالانتقاد الشديد لفترة حكم الإخوان.
الفرشيشي عادت لتؤكد، لـ "العين الإخبارية" على أهمية استبعاد النهضة من موقعها كفاعل أساسي في الحكومة، مشددة على أن هذه الخطوة ستكون بداية انفراج على مستوى الملفات الحارقة، أبرزها الجهاز السري لحركة النهضة والاغتيالات السياسية.
وترافقت فترة مشاركة الإخوان بالحكومات التونسية المتعاقبة بالعديد من الأحداث الدامية، انطلاقا من الاغتيالات السياسية في 2013، وصولا إلى انهيار العملة المحلية، وتراجع الاستثمار الخارجي، وعجز فادح في الموازنة العامة للدولة.
المشيشي.. هل يكون المنقذ؟
بحصول حكومة المشيشي على ثقة البرلمان، تدخل تونس فعليًا، لأول مرة، مرحلة الحكم من خارج الأحزاب، ما يضع رئيس الحكومة أمام تحديات كبرى أبرزها الملفين الاقتصادي والأمني، تركة الإخوان الملغمة والثقيلة.
وحذر الناشط القومي كمال بن سالم من خطورة الأجندات الإخوانية التي تستهدف تعميق الخلاف بين الرئيس التونسي قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي.
وقال بن سالم لـ"العين الإخبارية"، إن "الإخوان بصدد اختلاق الأزمات بين رأسي السلطة التنفيذية (الرئاسة ورئاسة الحكومة) لضرب استقرار الدولة، وتهيئة المناخ للجماعات المتطرفة.
وأوضح أن هذه الخطة الاخوانية أصبحت "معلومة " لدى العديد من النشطاء السياسيين، محذرا من أنها استراتيجية يريد من خلالها الغنوشي إغراق حكومة المشيشي في الصراعات الجانبية من أجل إضعافه.