واشنطن لم تعد تعرف المنطقة المغاربية.. تونس نموذجا
يبدو أن واشنطن ما زالت مصرة على التدخل في شؤون الدول المغاربية، رغم ثبات فشل تلك السياسة في كل مرة.
ويعكس إصرار واشنطن على التدخل في شؤون تونس، أن صناع القرار في واشنطن يغيب عنهم الإدراك والفهم لتطورات الأحداث في ذلك البلد المغاربي، بالإضافة إلى الافتئات على إرادة الشعوب.
آخر المواقف الأمريكية في هذا الاتجاه عبرت عنها تصريحات باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، التي انتقدت فيها الرئيس التونسي قيس سعيد، وسياسته التي ساعدت التونسيين في التخلص من سيطرة تنظيم الإخوان على مفاصل الدولة.
ورغم أن الرئيس التونسي سعيد أكد أكثر من مرة أن "السيادة الوطنية خط أحمر"، فإن الولايات المتحدة ما زالت مصرة على التدخل في الشؤون الداخلية وسياسات الحكم بتونس، رغم التوضيحات التي قدمتها تونس وتأكيدها أن الديمقراطية غير مهددة وأن من تم اعتقالهم من الإخوان وحلفائهم هم فعلا متورطون في قضية التآمر على أمن الدولة والانقلاب عن الحكم.
باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأمريكي قالت إن الرئيس التونسي قيس سعيد أثار "قلقا بالغا" بشأن الاتجاه الذي تتحرك نحوه تونس باعتماد إجراءات أضعفت الضوابط والتوازنات الديمقراطية، على حد زعمها، واتهمت الحكومة التونسية بالابتعاد عن الديمقراطية.
وكانت باربرا ليف قد اختتمت، الخميس، زيارة إلى تونس في إطار جولة إقليمية، حيث التقت خلالها وزير الخارجية التونسي، نبيل عمار، حيث بحثا التطورات الأخيرة في المنطقة والعلاقات الثنائية وأكدت أهمية تسهيل عمل الدبلوماسيين في تونس وواشنطن.
وتطرقت ليف في مباحثاتها مع عمار إلى تطبيق الديمقراطية في تونس، وحثت كذلك على التنفيذ السريع لخطة الإصلاح الاقتصادي التي وضعتها حكومة الرئيس قيس سعيّد، والتي نالت دعمًا من صندوق النقد الدولي والدول المانحة.
كما التقت مساعدة وزير الخارجية، التي تزور تونس للمرة الثانية خلال أقل من عام، بممثلين عن المجتمع المدني التونسي النشيط الداعمين لقيام عملية سياسية ديمقراطية تشمل الجميع وتحمي الحريات الأساسية، بما في ذلك الحق في حرية التعبير، وأجرت كذلك مقابلات مع وسائل إعلام تونسية ودولية.
رفض تونسي لتدخلات واشنطن
من جانبه، قال محمود بن مبروك المتحدث باسم "حراك 25 جويلية (يوليو/تموز)" إن "السيادة الوطنية خط أحمر.
وأضاف بن مبروك لـ"العين الإخبارية" أن "مسار 25 يوليو/تموز 2021 (الذي أطاح ببرلمان الإخوان وحكومة هشام المشيشي) متواصل دون عودة إلى الوراء".
وأعرب عن رفض تونس لأي تدخل أجنبي يمس من السيادة التونسية، مضيفا أن "المحاسبة مطلب شعبي لأشخاص أجرموا في حق الشعب وفي حق الدولة".
وقال بن مبروك "إنهم يواصلون الاستقواء ببعض الدول الأجنبية للضغط على تونس والتضييق عليها أكثر فأكثر بهدف خدمة مصالحهم الضيقة وخدمة هذه الدول".
من جهته، قال حسن التميمي المحلل السياسي التونسي إن "تونس تواجه معركة السيادة والتي تعتبر جوهر معارك التحرر الوطني وجوهر النضال الديمقراطي والاجتماعي".
وأضاف التميمي لـ"العين الإخبارية" أن "الوضع الاقتصادي التونسي الصعب دفع بالبلاد لأن تكون عرضة لكل هذه التدخلات، لذلك وجب عليها تقوية جبهتها الداخلية والتعويل على قدراتها دون الحاجة للأجانب".
واعتبر أن واشنطن والاتحاد الأوروبي "وضعا الديمقراطية واجهة لتدخلاتهما دون أن يقرا بأن من تم وضعهم في السجون هم متهمون وليسوا ضحايا مثلما يتم التسويق له".
وأكد أن تونس متمسكة بحرية التعبير والتنظيم والتظاهر، حيث إنه لم يتم منع أي مظاهرة أو مسيرة، مشيرا إلى أن كل من تم اعتقالهم ثبت تورطهم بالأدلة والبراهين .
وفي 14 فبراير/شباط الماضي، قال سعيد عبر مقطع فيديو نشرته الرئاسة متحدثا عن المتهمين من الإخوان "إنهم يتآمرون على أمن الدولة ويُخططون ويُعِدون لاغتيال رئيس الدولة"، مضيفا أن "الأمر يتعلق بحياة الدولة ومستقبل الشعب وهم يتحدثون عن الإجراءات".
وكانت السلطات التونسية قد اعتقلت في الفترة الماضية عددا من القيادات الإخوانية، في مقدمتهم عبد الحميد الجلاصي القيادي الإخواني والبرلماني الأسبق، وكمال اللطيف رجل الأعمال التونسي، بالإضافة إلى فوزي الفقيه، في قضية التآمر على أمن الدولة ومحاولة انقلاب على الحكم.
وحاولت "مجموعة متشعبة الأطراف" في 27 يناير/كانون الثاني الماضي الانقلاب على نظام الحكم بتونس، عن طريق تأجيج الوضع الاجتماعي وإثارة الفوضى ليلا، مستغلة بعض الأطراف داخل القصر الرئاسي.
إلا أن قوات الأمن والاستخبارات التونسية تمكنت من إفشال هذا المخطط عن طريق تتبع مكالماتهم واتصالاتهم وخطواتهم، ليتبين أن خيام التركي -الشخصية التي أجمع عليها الإخوان لخلافة الرئيس قيس سعيد- كان حلقة الوصل فيها.
من جانبه، أكد حزب التيّار الشعبي رفضه وإدانته للضغوط الأجنبية على تونس، واعتبرها محاولة جديدة للانقلاب على إرادة الشعب التونسي ومنعه من التقدم في طريق التغيير الشامل سياسيّا واقتصاديّا، وذلك على خلفية ما وصفه بالحمْلة المسعورة من كثير من الدوائر الأوروبية.
وقال الحزب في بيان له، الخميس، إن هذه الأطراف حوّلت ملف تونس لدى صندوق النقد الدولي إلى ملف مقايضة لفرض شروط سياسية وإجبار الدولة التونسية على وقف المحاسبة.
وأدان الحزب، "دور أعوان الاستعمار في الداخل في إضعاف بلادهم أمام الضغوطات الخارجية"، مشيرا إلى أنه في ظل منوال تنموي تابع وفاسد أصبح الاقتصاد الوطني في مأزق مما أدى إلى استحالة إتباع تنمية مستقلة أو تحديد الأولويات الوطنية بمعزل عن الإملاءات الخارجي .
وأكد الحزب أن الأمر يستوجب تغييرا شاملا للسياسات العامة وبناء مشروع تنموي وطني يُعوِّل على الذات وعلى تعبئة القدرات الوطنية وحسن استغلالها وعلى الشراكات المتكافئة والفعّالة مع الشعوب والدول الأخرى.
ودعا إلى ضرورة إنجاز التحوّل الاستراتيجي في علاقات تونس الخارجية بالتوجّه دوليا نحو قوى دولية جديدة على غرار المجموعات الاقتصادية الصاعدة كدول البريكس ومنظمة شانغهاي والبنك الآسيوي للتنمية والاستفادة من قدراتهم الاقتصادية خاصة في الاستثمار في البنية الأساسية وفي التكنولوجيا وتسخير هذه العلاقات لصالح التنمية.
تونس ليست تحت الحماية
ومنذ يومين، عبّر الرئيس التونسي قيس سعيد عن رفضه التدخل الأجنبي في شؤون بلاده الداخلية، باعتبار أن تونس ليست تحت الحماية أو أي نوع من أنواع الوصاية.
وقال سعيد "مثلما واجه التونسيون في الماضي، القوات الغازية والمستعمرة، بما توفّر لديهم من إمكانيات محدودة واستماتوا ورفضوا تدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية، فإننا نستميت اليوم من أجل الدفاع عن سيادتنا.. فتونس دولة حرة، مستقلة وذات سيادة".
وأضاف "نعوّل على ذواتنا وقدراتنا لمواجهة كل الصعاب ولا نقبل أن تُملى علينا الحلول من الخارج.. نحن نستنبط الحلول لتكون في خدمة أبناء شعبنا وفي خدمة المواطن الفقير والبائس ومن لا يجد شغلا ولا طعاما ولا مرفقا عموميا للصحة".
وتابع الرئيس التونسي قائلا "ستبقى المرافق والمنشآت العمومية لأنها في خدمة الشعب، لكن لابد من تطهيرها والقضاء على الأسباب التي أدت بها إلى هذا الوضع الكارثي".
aXA6IDE4LjIxNi40Mi4xMjIg جزيرة ام اند امز