في العلاقات الدبلوماسية الدولية ليس هناك ما يمنع البلدان من توسيع سياستها الخارجية، ما دامت تحترم التقاليد المتعارف عليها عالمياً.
أما في حالة تركيا، فقد بدأت بعض الحكومات الأوروبية تُظهر انزعاجها من كيفية إدارة السياسة الخارجية لأنقرة.
ففي ألمانيا، تم ضبط عميل لتركيا سبق له أن انضم في شبابه إلى مجموعة "الذئاب الرمادية" التركية وحركات اليمين المتطرف، بعد أن هاجر إلى ألمانيا في سن السابعة عشرة، وأصبح يمتلك شركات في تركيا حاليا، وهو عضو في جمعية سياسية دولية، ويسهم في إنشاء فروع جديدة لهذه الجمعية، التي ظاهرها قانوني، لكن لها مهام أخرى، من بينها متابعة منتقدي الحكومة التركية في الخارج، فضلا عن تجنيد عملاء في جميع أنحاء أوروبا.
وبالإضافة إلى نية التأثير على مستقبل البلدان الأوروبية، فهناك هدف آخر لمثل هذه الجمعية، وهو مراقبة الجاليات التركية وغير التركية في الخارج لتنفيذ برامج البحث والتجنيد.
دولة أوروبية أخرى لم ترغب في إخفاء غضبها من النفوذ والتدخل التركي المتزايد، حيث اتهم مجلس الشيوخ الفرنسي تركيا بالتجسس على بلاده.
وبحسب تقرير صادر عن المجلس، فإن تركيا "تحاول بسط نفوذها من خلال مؤسسات ومعاهد تعمل على تغيير التوازن في تفكير الأكاديميين، كما تعمل على إنشاء مراكز فكرية تساعد في نشر سرديتها وبثّ رسائلها".
وحذرت تقارير استخباراتية فرنسية من أنشطة جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك في فرنسا، والتي تسعى هي الأخرى للتأثير على المجتمع الأكاديمي في فرنسا.
وبدلاً من الشعور بالخجل بعد نشر هذه المعلومات، فضّلت تركيا الهروب.
ومن أوروبا إلى أفريقيا، حيث كانت لتركيا في عام 2008 سفارات في عشر دول في القارة السمراء، وفي سنة 2021 صار العدد 42 سفارة في 54 دولة أفريقية.
وفي البلدان أو المناطق، التي لا تصلها ذراع الدبلوماسية التركية، يتم الانتشار من خلال القوة الناعمة لبسط النفوذ عن طريق منظمة غير حكومية تركية، وهي وكالة التعاون والتنسيق التركية "TİKA".
وتشير التقارير الاستخباراتية إلى أن تركيا تُبرم اتفاقيات صداقة وتعاون مع دول أفريقية، خاصة الفقيرة، لتتحوّل إلى أدوات لنشر أجندة تركيا في القارة.
وتم الكشف كثيرا عن أساليب تركيا لاستخدام نفوذها لمحاربة عناصر المعارضة التركية، ويتم ذلك عن طريق المراقبة والمضايقات والتهديدات بالقتل، وحتى عمليات الاختطاف، التي تتم على أرض أفريقية، إذ تم الكشف عن أنشطة تتبُّع تركية لمعارضين أتراك في العديد من البلدان الأفريقية.
وعلى مستوى القواعد العسكرية خارج حدودها، توجد في الصومال أكبر قاعدة عسكرية تركية، وتم تأكيد حصول موظفي المنظمة غير الحكومية التركية الرئيسية على حصانة دبلوماسية، وبالتالي استفادة عناصرها من الامتيازات الدبلوماسية في حرية الحركة.
وترسّخ أنقرة وجودها بشكل ملحوظ في ميناء العاصمة الصومالية بهدف الحفاظ على قوتها العسكرية في مناطق رئيسية على البحر الأحمر والمحيط الهندي.
ويُتوقّع أن يسبب التدخل التركي في أفريقيا مشكلاتٍ وأزماتٍ دوليةً في السنوات المقبلة، فيما وجب تخصيص المزيد من الموارد من قبل المجتمع الدولي للتصدي لذلك التوسع التركي الغريب، لأنه في الحالة الأفريقية تُستخدم القوة الناعمة بشكل مباشر أو غير مباشر كأرض خصبة لزرع فكر متطرف من شأنه أن يعمل على مواصلة إمداد الجماعات الإرهابية في العالم بعناصر جديدة في المستقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة