يحاول الرئيس التركي منذ الآن ضمان فوز حزبه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، رغم أنها ستُعقد بعد أقل من عامين.
ويراهن الرئيس التركي هنا على تشتت أحزاب المعارضة، التي تتوزع بين علمانيين وقوميين وإسلاميين وأكراد، لكن التحرّكات الأخيرة لمختلف هذه الأطراف باتت تؤكد أن رهان الرئيس التركي على تشتتها قد يكون خاسراً.
في الأسبوع الماضي عقد حزب "الشعوب الديمقراطي" مؤتمراً صحافياً في العاصمة أنقرة، أعلن فيه دعمه الكامل لفكرة وجود مرشّحٍ واحد لكل أحزاب المعارضة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.
وحال حصول هذا الإجماع الانتخابي ستذهب أصوات مختلف الناخبين الأكراد إلى المرشّح، الذي سينافس الرئيس التركي الحالي باعتبار أن هذا الحزب يؤيد الأكراد.
وسبق إعلان "الشعوب الديمقراطي" عن دعم طرح المرشح الواحد، تصريحات لكمال كليتشدار أوغلو، زعيم المعارضة التركية، الذي يترأّس حزب "الشعب الجمهوري"، والتي كانت صادمة بالنسبة للرئيس التركي، فقد اعترف فيها "أوغلو" بأن "الشعوب الديمقراطي" ممثل شرعي للأكراد وبإمكانه حل المسألة الكردية في البلاد"، وهو أمر رحّب به الحزب الأخير. ويعني حتماً مُضي كلا الحزبين، الشعوب الديمقراطي" و"الشعب الجمهوري"، في تحالف انتخابي قوي معا، خاصة أن كليهما يشكلان أكبر حزبين معارضين في تركيا حاليا.
المعارضة التركية تدرك جيداً أن الكتلة الانتخابية لحزب "الشعوب الديمقراطي" هي التي ستحسم فوز الرئيس في الانتخابات المقبلة، خاصة أن لهذا الحزب تجربة جيدة مع الحزب المؤيد للأكراد حين دعم هذا الحزب مرشحَيه في الانتخابات البلدية عام 2019، والتي أدت إلى فوز كليهما في رئاسة بلديّتي أنقرة وإسطنبول.
وبالطبع يخشى الرئيس التركي، الذي راهن في السابق على تشتت المعارضة، وجود مرشحٍ واحد لها لمنافسته، فقد تحدث من قبل عما أسماه "نهاية حزب المعارضة الرئيسي بداية العام الحالي"، عندما استقال منه محرم إينجه، وهو أحد أبرز قادة المعارضة، والذي ترك الحزب مطلع شباط/فبراير الماضي، إلا أن هذا الأمر لم يؤثر كثيراً على حزب "الشعب الجمهوري"، خاصة أن "إينجه" لم يكن مقترحاً للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، سيما مع صعود شعبية رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، كما أن علاقة "إينجه" لم تكن جيدة بحزب "الشعوب الديمقراطي"، الأمر الذي لا يتناسب مع الخط السياسي الحالي لحزبه القديم، لذلك لم تكن تداعيات استقالته على حزب "الشعب الجمهوري" تُذكر.
وبالتالي لدى المعارضة التركية اليوم فرصة كبيرة في توحيد صفوفها بمرشّحٍ رئاسي واحد قد يفوز برئاسة البلاد، لا سيما أن قانون الانتخابات الحالي يوجِب فوز المرشح الحاصل على أكثر من نصف أصوات الناخبين، ذلك أن مختلف استطلاعات الرأي الأخيرة تؤكد استحالة حصول حزب "العدالة والتنمية" الحاكم على أكثر من 40% من أصوات الناخبين، رغم الدعم الذي سيحصل عليه من حليفه، حزب "الحركة القومية" اليميني المتطرّف.
لهذا تدعم مختلف أحزاب المعارضة، العلمانية والقومية والإسلامية والكردية، طرح المرشح الواحد باعتباره سيطيح بالرئيس التركي الحالي وحزبه في الانتخابات.
وحتى الآن، يستمر أكبر حزبين معارضين في تركيا في مشاوراتهما مع بقية الأحزاب لدعم طرح "المرشح الواحد" في الانتخابات المقبلة، وفي مقابل ذلك يحاول الرئيس التركي وحزبه إجراء تغييرات في قانوني الأحزاب والانتخابات، لمنع حزبي رئيس الوزراء الأسبق، أحمد داوود أوغلو، ونائبه علي باباجان، من المشاركة في تلك الانتخابات.
ومع ذلك لدى الحزبين الأخيرين، اللذين استقال مؤسساهما من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، فرصة لاستغلال ثغرات قانونية، مثل انضمام نوابٍ من أحزابٍ أخرى إليهما، ومن ثم إمكانية مشاركتهما في الانتخابات.
في كل الحالات، الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا مصيرية لحزب الرئيس وخصومه، وكلا الطرفين يستعد لها من الآن، وسيتوقف فوز الرئيس فيها على مدى توحيد المعارضة صفوفها والاتفاق على مرشحٍ واحد، وكذلك على ماهية التغييرات، التي سيجريها الرئيس التركي على قانوني الأحزاب والانتخابات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة