التصعيد الأردوغاني مع أوروبا يأتي لتقوية قاعدته الداخلية خصوصا بعد انهيار الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي.
تشهد تركيا انتخابات رئاسية مبكرة في 24 يونيو المقبل، ويسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للفوز في هذه الانتخابات ليصبح أول رئيس بصلاحيات تنفيذية كاملة في تاريخ الجمهورية التركية بعد إقرار النظام الرئاسي الذي تمت الموافقة عليه في استفتاء شعبي أجري في 16 أبريل/نيسان 2017، ويدخل حيز التنفيذ فعلياً عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة في يونيو المقبل.
حيث اختار الرئيس أردوغان المرشح لولاية أخرى مدينة سراييفو ليطلق حملته الانتخابية يوم الأحد 20 مايو في أوساط الجاليات التركية المنتشرة في أوروبا، حيث يقدر عددهم حوالي 7 ملايين، منهم 3 ملايين مواطن تركي في أوروبا يحق لهم التصويت في بلادهم، متوزعين تقريبا في كل بلدان أوروبا، إلا أن ملايين أخرى من أصول تركية يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي.
التصعيد الأردوغاني مع أوروبا يأتي لتقوية قاعدته الداخلية خصوصا بعد انهيار الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي وفشله في فرض سياسته الخارجية بسوريا أو إدارته لما بعد الربيع العربي، واستعدائه كثيرا من الأنظمة بعد تدخله في سياساتها الداخلية
حيث كانت اتفاقية أنقرة المبرمة عام 1963، بين تركيا والاتحاد الأوروبي، التجمع الأوروبي حينذاك، بمثابة البوابة التي فُتحت لاستقبال آلاف الأيدي العاملة التركية، وحلت ألمانيا في المرتبة الأولى من حيث الكم الهائل للأيدي العاملة التركية التي وفدت إليها، ولم يقتصر الأتراك على الذهاب إلى أوروبا فقط بل هاجروا إلى مناطق أخرى.
وتمر العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي بفترة توتر شديد، فقد غضبت أنقرة من منع دول أوروبية عقد لقاءات بحضور مسؤولين أتراك على أراضيها، دعما لتعزيز صلاحيات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال استفتاء 16 أبريل.
واتهم أردوغان دول الاتحاد الأوروبي مرارا بالتصرف مثل ألمانيا النازية، فيما يرى أنه تمييز تجاه الأتراك، وأثارت تعليقاته غضب أوروبا.
وقال أردوغان: "من هنا أقول لمواطنيَّ ولأخواني وأخواتي في أوروبا، علّموا أولادكم في أفضل المدارس، احرصوا على أن تعيش عائلاتكم في أفضل الأحياء، قودوا أفضل السيارات، اقطنوا أفضل البيوت"، وأضاف "أنجبوا خمسة أطفال وليس ثلاثة، فأنتم مستقبل أوروبا".
وتابع في خطاب تلفزيوني في مدينة اسكيشهر في جنوب إسطنبول: "هذا هو الرد الأفضل على الوقاحة والعدائية والأخطاء التي ارتكبت بحقكم".
الكثير من المتابعين يرون أن التصعيد الأردوغاني مع أوروبا يأتي لتقوية قاعدته الداخلية خصوصا بعد انهيار الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، وفشله في فرض سياسته الخارجية بسوريا أو إدارته لما بعد الربيع العربي، واستعدائه كثيرا من الأنظمة بعد تدخله في سياساتها الداخلية، خاصة الدول الإسلامية، عبر جماعات الإسلام السياسي بآليات ووسائل مختلفة.
سبق للرئيس أردوغان في القمة العالمية للأقليات المسلمة المنعقدة بإسطنبول أيام 16-19 أبريل الماضي أن حرض ممثلي المنظمات الإسلامية المشاركة على تكوين جبهات الرفض لمواجهة دول التمييز العنصري -حسب زعمه- ألمانيا وبلجيكا وفرنسا.
في هذه الأجواء استعرض أردوغان برنامجه الانتخابي أمام أكثر من 15 ألف مشارك في تجمع وسط سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، ومن خلال الجمعية العامة السادسة لاتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين، حيث دعاهم إلى الاتحاد، في رسالة قوية خلال خطابه الذي استغرق 45 دقيقة.
وشدد أردوغان على حاجة الأتراك الأوروبيين إلى الانسجام والوحدة، وهذا سيؤدي في النهاية إلى قوتهم، قائلا إن عدد الشعب في دولة واحدة ليس مهما، ولكن الشيء المهم هو الاتحاد فيما بينهم.
وواصل أردوغان الدعوة إلى كل المواطنين الأتراك للبقاء متحدين، قائلا إن الأتراك الأوروبيين عليهم مهمة حمل مواطنة الدولة التي يعيشون فيها، ولكن مع عدم فقدان حقوقهم في تركيا.
ويرى كثيرون في الزيارة تعبيراً عن النزعة العثمانية الجديدة، وقد خضعت منطقة البلقان، خصوصاً البوسنة، للحكم العثماني لأكثر من أربعة قرون حتى 1878، وسخر المخرج دينو مصطفيتش الذي يعيش في سراييفو، على حسابه على «تويتر» من «هذا التجمع المؤثر والرومانسي الذي يعود إلى زمن الاستعمار»، عندما «كان الرعايا المحليون المساكين يصفقون بحرارة للسلطان».
وأضاف المخرج المسرحي: «لا نستحق أفضل من ذلك، لأننا لا نحترم الحرية ولا الكرامة». أما الزعيم السياسي لصرب البوسنة ميلوراد دوديك فعبّر عن أسفه لأن الرئيس التركي «يتدخل كثيراً» في شؤون البوسنة، ولعبت تركيا دورا مهما في إعادة إعمار هذا البلد الصغير في البلقان بعد الحرب التي شهدها في 1992-1995 وتتبع سياسة استثمار نشطة فيه كما في كل المنطقة.
الملفت للانتباه أن حرص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على المشاركة في هذا التجمع الانتخابي على الرغم من إبلاغه بوجود مخطط لاغتياله، وأن التهديد باغتياله لن يثنيه عن طريقه.
وقال أردوغان، في مؤتمر صحفي مع نظيره البوسني باكير عزت بيغوفيتش، في سراييفو، الأحد: «هذا الخبر وصلني من جهاز المخابرات التركي، لذلك أنا موجود هنا.. فمثل هذه التهديدات لا تثنينا عن مواصلة طريقنا»، مشيراً إلى أن بلاده تسعى إلى تحقيق الرخاء والوحدة في البوسنة.
كان نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة التركية بكير بوزداغ أعلن الليلة قبل الماضية عن وجود «تهديدات محتملة» بالاغتيال ضد الرئيس أردوغان خلال زيارته للبوسنة، قائلاً: «نحن ندرك أن هناك دوائر غير مرتاحة وندرك أنهم يريدون التخلص من رئيسنا.. إن تهديدات الاغتيال ليست جديدة، بل كانت موجودة دائماً، لكن رجب طيب أردوغان ليس هو الرجل الذي يخشى التهديد بالقتل أو من سيبتعد عن دربه وقضيته».
وقالت وكالة أنباء «الأناضول» الرسمية إن أجهزة الاستخبارات التركية تتحرى معلومات وردت حول إمكانية تنفيذ مجموعة بلقانية من أصول تركية محاولة اغتيال أردوغان، في أثناء زيارته للبوسنة والهرسك.
وذكرت أنه حسب المعلومات التي حملتها بلاغات من أتراك يعيشون قرب العاصمة المقدونية سكوبيه؛ هناك أنباء عن محاولة اغتيال تستهدف أردوغان خلال زيارته للبوسنة، كما أبلغت أجهزة استخبارات غربية نظيرتها التركية بمعلومات حول «استعداد مجموعة تركية لتنفيذ عملية اغتيال ضد أردوغان».
وأطلقت أجهزة الاستخبارات التركية عملية تحرٍّ حول الموضوع بعد تلقيها معلومات مطابقة من مصادر مختلفة، ولفتت الوكالة إلى أن عملية التحري مستمرة، ولم يتسنَّ لأجهزة الاستخبارات معرفة توقيت ومكان وأسلوب عملية الاغتيال المفترضة.
وخلال المؤتمر الصحفي قال أردوغان «إننا نتطلع لإنهاء وجود» ما سماه بـ«منظمة فتح الله كولن» الإرهابية (في إشارة إلى حركة «الخدمة» التي يتزعمها الداعية التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن، والتي تتهمها أنقرة بتدبير محاولة انقلاب فاشلة ضد أردوغان في 15 يوليو 2016) في البوسنة والهرسك من خلال الجهود المتبادلة في أقرب وقت، و«نحن منفتحون على جميع أنواع التعاون في هذه المسألة».
فهل سيستطيع أردوغان كسب ثقة أتراك العالم على حساب مواطنتهم الأوروبية؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة