المشروع الأردوغاني يفتقد وبشكل مبسط للواقعية والموضوعية، لأن استعادة التاريخ لا تتحقق بمجرد قراءة ذلك التاريخ أوالتمتع بإنجازاته
تاريخيا لم ينس الشعب الليبي كيف باعت الدولة العثمانية ليبيا إلى إيطاليا في تلك المعاهدة الشهيرة التي أطلق عليها معاهدة "أوشي"وقد حدثت في العام 1912م، ومنها وجد الشعب الليبي نفسه وحيدا في مواجهة إيطاليا على الأراضي الليبية، ولعل السؤال الأهم هنا يدور حول الغايات الفعلية التي تعيد تركيا أردوغان إلى ليبيا بهذه الصورة الاستعمارية..؟، ليس هناك شك في أن أردوغان يفكر فعليا بعقلية استعمارية، فهو يعتقد أن ليبيا حق تركي كما يعتقد أن الموصل العراقية وشمال سوريا جزء من تركيا.
في المعايير السياسية الدولية وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية والمعاهدات الدولية ودخول القرن الحادي والعشرين، فإن ما تفعله تركيا في شمال سوريا أو شمال العراق أو في ليبيا أو في تلك الدولة الخليجية أو في أفريقا، يعد شكلا استعماريا لايمكن تبريره قانونيا، وهنا يكمن هدف أردوغان الاستعماري، لنتساءل حول المدى الذي يمكن أن تسمح به الشعوب والدول لهذا الطموح الأردوغاني أن يتحقق..؟، لأن في تحققه خرقا لكل المعايير الدولية بل هو بداية للفوضى الدولية إذا ما سمح العالم لهذا الرئيس الحالم بالعظمة أن يوزع الجيش التركي بهذه الصورة في مناطق الشرق الأوسط.
ليس هناك من شك أن حلم الإمبراطورية ولد بشكل دقيق مع مجيئ أردوغان إلى الحكم، فهو يحلم بإعادة تشكيل صورة الإمبراطورية التي بناها في مخيلته، ولكن هذا يحدث في زمن يستحيل معه تحقيق هذه الأحلام فالمشروع الأردوغاني يفتقد وبشكل مبسط للواقعية والموضوعية، لأن استعادة التاريخ لا تتحقق بمجرد قراءة ذلك التاريخ أوالتمتع بإنجازاته، فهناك عوامل دولية وثقافية واقتصادية وسياسية أهم من تلك الرواية التاريخية التي يرى فيها أردوغان مسارا يمكن تحقيقه مرة أخرى.
فكرة أردوغان لن تعدو أكثر من الدخول في مستنقعات عمياء تقف خلفها أفكار وأيديولوجيات ليس لها نهاية
اليوم يمكن للجميع أن يفهم تلك التصورات التركية القابعة خلف دعم جماعات الإسلام السياسي وعقد معاهدات مع دول غنية وإرسال جيوش إلى دول عربية أنهكها الانقسام والحروب الأهلية، بالإضافة إلى تلك التحركات السياسية المشبوهة عبر مواجهة الدول الكبرى، لأن هناك في تركيا من يعتقد أن إعادة الإمبراطورية التركية يمكنه أن يتحقق لمجرد أنها كانت موجودة في الماضي.
فكرة أردوغان لن تعدو أكثر من الدخول في مستنقعات عمياء تقف خلفها أفكار وأيديولوجيات ليس لها نهاية سوى مواجهة المخاطر والإنهاك الاقتصادي والسياسي، وقد ينتهى الأمر بأن تعود تركيا إلى المربع رقم واحد بسرعة أكثر مما يتوقعه رئيسها السيد أردوغان، لأن العالم ليس هو العالم قبل قرون، وتركيا ليست الدولة التي تمتلك المعايير الاقتصادية ولا السياسية التي تمكنها من تحقيق ولو جزء يسير من أحلامها في المنطقة، بل حتى القبول الشعبي على المستوى الإسلامي في ظل تصاعد كبير ضد الوحشية التركية منذ أيام الدولة العثمانية.
ليس هناك من تفسير لما تمارسة تركيا في ليبيا اليوم سوى أنها أصبحت وجها استعماريا نهايته تاريخيا واضحة ودقيقة، لأن الحقيقة التاريخية تقول إن التجارب القربية والصور القائمة التي سعت إلى احتلال دول مستقلة وسارت باتجاه معاكس للمسارات الدولية الحديثة انتهت بمآسٍ على تلك الدول وشعوبها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة