تركيا وأزمة أرمينيا وأذربيجان. أردوغان يصطدم بالقيصر
موسكو ترتبط بتحالف رباعي مع أرمينيا بينما تدعم أنقرة سكان أذربيجان من العرق التركي
أشعلت تركيا النار في أزمة أرمينيا وأذربيجان، الدولتين السوفيتيتين السابقتين الواقعتين في منطقة القوقاز، ما يعكس الشر التركي في الصراع التاريخي بين الطرفين، والممتد منذ 3 عقود.
وأثارت المعارك العنيفة المندلعة منذ الأحد الماضي، حول إقليم ناغورني قره باغ، المتنازع عليه، مخاوف من اندلاع حرب مفتوحة بين أذربيجان وأرمينيا، ما قد يمتد في النهاية إلى صراع آخر بين روسيا وتركيا، وصدام مباشر بين أردوغان وبوتين.
فموسكو ترتبط بتحالف رباعي مع أرمينيا بينما تدعم أنقرة سكان أذربيجان من العرق التركي، ما قد ينذر حال تصاعد الأزمة إلى حرب شاملة بالمنطقة بين القوتين الإقليميتين روسيا وتركيا، بحسب صحف تركية معارضة.
وفي مقابل الفتنة التي اعتمد عليها الخطاب التركي في تلك الأزمة دبلوماسيا وسياسيا، وتوعد أردوغان لأرمينيا، الدولة التي طالما هاجمها على خلفية العداء التاريخي بين الأتراك والأرمن منذ الحرب العالمية الأولى، جاء الرد الروسي هادئا ورصينا يدعو إلى ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات ومنع التصعيد.
- أرمينيا: تركيا نقلت نحو 4000 مسلح سوري إلى أذربيجان
- اعترافات مثيرة.. تفاصيل رواتب مرتزقة أردوغان بأذربيجان
ويعود النزاع في قره باغ إلى فبراير/شباط عام 1988، عندما أعلنت مقاطعة ناغورني قره باغ للحكم الذاتي انفصالها عن جمهورية أذربيجان.
وفي سياق المواجهة المسلحة التي جرت في الفترة بين 1992 و1994، فقدت أذربيجان سيطرتها على ناغورني قره باغ وسبع مناطق أخرى متاخمة لها.
ومنذ عام 1992 كانت وما زالت قضية التسوية السلمية لهذا النزاع موضعا للمفاوضات التي تجري في إطار مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، برئاسة ثلاثة رؤساء مشاركين روسيا والولايات المتحدة وفرنسا.
الدعم التركي يشعل الصراع
ولليوم الثالث على التوالي، لم تهدأ جبهة الحدود المشتعلة بين أرمينيا وأذربيجان، في أسوأ مواجهات بين الطرفين منذ أربع سنوات، وسط دعوات دولية بوقف المعارك والجنح للسلام.
لكن تركيا التي فضلت التغريد خارج السرب الدولي، أسقطت طائرتها من طراز "إف-16" إحدى الطائرت الأرمينية من طراز "سوخوي 25"، اليوم الثلاثاء، ما أسفر عن مقتل قائد المقاتلة الأرمينية.
ولطالما يجاهر أردوغان بعداءه لأرمينيا، وخلال الصراع المشتعل حاليا، سكب الزيت على النار، داعما أذربيجان تارة، وداعيا أرمينيا إلى إنهاء ما وصفه بـ" باحتلالها لأراضي أذربيجان" تارة أخرى، نافخا سمه بالصراع المشتعل الذي أودى بحياة أكثر من 30 ألف شخص حتى الآن.
بل تمادى الرئيس التركي في أحقاده بتصريحات مليئة بالتوتر والعدائية لأرمينيا، وحديث لا يخلو من الشر ولغة التهديد والوعيد ، مؤكداً أن أذربيجان "باتت مضطرة إلى حل مشاكلها بنفسها شاءت أم أبت.. تركيا ستواصل الوقوف إلى جانب.. أذربيجان بكل الإمكانيات".
وواصلت تركيا في سكب الزيت على نار الأزمة، بمطلب وزير الدفاع التركي خلوص أكار، لدولة أرمينيا، قائلاً: "يجب أن توقف أرمينيا هجماتها على الفور وتعيد المرتزقة والإرهابيين الذين أتت بهم من الخارج وتنسحب من أراضي أذربيجان".
الدعم التركي لأذربيجان، الذي نفاه وبشكل قاطع أحد مساعدي الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، لم يتوقف عند حد التصريحات العدائية أو مساعي أنقرة لإشعال الصراع التاريخي بين الطرفين، بل وصل إلى إرسال مرتزقة سوريين موالين لأردوغان للقتال بجانب القوات الأذرية.
وتقول أرمينيا عن الدعم التركي لأذربيجان، إن تركيا نقلت نحو 4000 مسلح من شمال سوريا إلى أذربيجان للمشاركة في القتال الدائر حاليا بين باكو ويريفان بشأن إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه.
وعبر سفيرها لدى روسيا، فاردان توغانيان، أكدت أرمينيا، أمس الإثنين، أن المسلحين السوريين يشاركون في العمليات القتالية بإقليم ناغورني قره باغ بجانب القوات الأذرية.
أما وزارة الخارجية الأرمينية فمن جانبها أكدت، تلقي جارتها أذربيجان دعما سياسيا وعسكريا من تركيا، في ظل مواجهات دامية بين البلدين.
وفي بيان لها قالت إن الدعم العسكري الذي تقدمه أنقرة لباكو، يشمل مروحيات وطائرات مسيرة.
والتأكيدات الأرمينية تأتي وسط تأكيدات أخرى من قبل المرصد السوري لحقوق الإنسان، حين أفاد الأحد الماضي، بوصول أول دفعة من المرتزقة السوريين التابعين لأنقرة، إلى أذربيجان.
ووفق ما ذكره المرصد، قامت سلطات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بنقل دفعة من مقاتلي الفصائل السورية الموالية لها، من منطقة عفرين شمال غربي حلب، إلى أراضيها، قبل إرسالهم إلى أذربيجان.
روسيا.. الدبلوماسية الهادئة
ولإدراكه خطورة الموقف، دعا الكرملين، الثلاثاء، تركيا إلى العمل من أجل وقف إطلاق النار في ناغورني قره باغ حيث أسفرت المعارك بين الأرمن وأذربيجان إلى سقوط أكثر من مئة قتيل منذ الأحد.
وقال الناطق باسم الكرملين للصحفيين، إنه :"ندعو كل الدول ولا سيما الدول الشريكة لنا مثل تركيا، إلى بذل المستطاع للتوصل إلى وقف لإطلاق النار والعودة إلى التسوية السلمية لهذا النزاع".
كما دخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خط الأزمة، داعيا الطرفين الأذري والأرميني إلى التهدئة والعودة إلى طاولة الحوار.
وأعرب بوتين، خلال اتصال هاتفي، اليوم الثلاثاء، مع رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، عن القلق الشديد بشأن الوضع في ناجورني قرة باخ بين أرمينيا وأذربيجان.
وأفاد بيان مقتضب للكرملين بأنه جرى اتصال هاتفي، بمبادرة من الجانب الأرميني، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزراء جمهورية أرمينيا نيكول باشينيان.
وأضاف البيان أن بوتين أكد خلال الاتصال الهاتفي على الضرورة الملحة لوقف إطلاق النار في ناجورني قره باخ واتخاذ إجراءات لتهدئة الأزمة، معربًا عن قلقه الشديد إزاء الأعمال القتالية الجارية هناك.
صراع القوقاز بين روسيا وتركيا
في خضم تسارع تلك الأحداث، وإشتعال الأزمة بالتدخل التركي الآثم لتحقيق مكاسب لنظام أردوغان طرح موقع" أحوال التركية" سؤالا على الخبراء حول هل تؤدي الحرب بين أرمينيا وأذربيجان إلى مواجهة بين تركيا وروسيا؟.
ويجيب المحلل فازادزه، للموقع التركي، قائلا:" إن توغلا عسكريا في عمق أراضي أرمينيا أو أذربيجان، وليس الاشتباك الحدودي، هو ما يمكن أن يدفع موسكو أو أنقرة إلى التدخل".
وأضاف:" يمكن لتركيا أن تدعم باكو بموجب الاتفاقات العسكرية المبرمة بين البلدين، في المقابل تُعتبر روسيا أكبر الحلفاء المقربين ليريفان التي يربطها بموسكو تحالف عسكري".
ويعتبر فازادزه أن "التدخل المباشر لن يفيد موسكو وأنقرة"، بل سيعرّض "الروابط الاقتصادية التي تجمع القوتين الإقليميتين" للخطر.
في المقابل تشير أوليسيا فارتانيان من المجموعة الدولية للأزمات، إلى تزايد دعم أنقرة لباكو، بدليل المناورات العسكرية المشتركة التي جرت في أغسطس، والتي كانت الأكبر على الإطلاق بين البلدين.
وتقول :"بالإضافة إلى التسليح، لم تتّضح بعد ماهية الدعم الذي قد تقدّمه تركيا.. خيارات كثيرة مطروحة على الطاولة".
وفي آخر التطورات قالت أرمينيا وأذربيجان إنهما نشرتا مدفعية ثقيلة اليوم الثلاثاء، في أحدث جولات القتال بينهما.
وأكد رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، الثلاثاء، تواجد مسؤولين عسكريين كبارا من تركيا في أذربيجان لتوجيه العمليات العسكرية.
ودعا باشينيان المجتمع الدولي إلى إدانة عدوان أذربيجان وتركيا، قائلا إن "وجود الشعب الأرميني مهدد".
وأضاف أن الأجواء ليست مناسبة لإجراء محادثات مع أذربيجان بينما العمليات العسكرية دائرة في ناجورنو قرة باغ.
وفي مقابل ذلك، ذكرت وزارة الدفاع الأذربيجانية أن القوات المناوئة حاولت استعادة الأراضي التي خسرتها وشنت هجمات مضادة في اتجاه مناطق فضولي وجبرائيل وآغدام وترتر.