تفجيرات مقابر "الهواري".. ماذا تريد تركيا من بنغازي؟
خبراء مختصون في الإرهاب الدولي وسياسيون ليبيون يؤكدون أن التفجير الإرهابي في مدينة بنغازي تصعيد بدعم استخباراتي تركي
قال خبراء مختصون في الإرهاب الدولي ومحللون سياسيون ليبيون إن التفجير الإرهابي الذي استهدف جنازة اللواء خليفة المسماري في مدينة بنغازي تصعيد خطير بدعم استخباراتي تركي.
ورجح الخبراء، في تصريحات منفصلة لـ"العين الإخبارية"، أن يكون وراء التفجير عناصر تنظيم القاعدة التي نقلتهم تركيا مؤخرا إلى ليبيا.
وشدد الخبراء على أن تركيا حاولت استهداف قيادات الجيش الليبي الذين حضروا الجنازة، انتقاما من تقدم الجيش الوطني وتضييقه الحصار على المليشيات.
وحمّل المتحدث باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مسؤولية الهجوم الذي وقع، الخميس، بمقبرة "الهواري" في بنغازي خلال تشييع جثمان اللواء خليفة المسماري.
عملية الرسائل الثلاث
يرى أحمد عطا، الباحث في الإرهاب الدولي بمنتدى الشرق الأوسط في لندن، أن العملية الإرهابية التي وقعت في بنغازي هي عملية استخباراتية من الطراز الأول، ويطلق عليها عملية "الرسائل الثلاثية".
وأوضح عطا، في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية"، أن العملية استهدفت إعادة مشهد العنف والعمليات الإرهابية للأذهان بالنسبة للمواطن الليبي والعربي، خاصة بعد تصريح الرئيس التركي رجب أردوغان بتحذير الجيش الوطني الليبي من المساس بالمصالح التركية داخل الأراضي الليبية.
ونوه عطا بأن هذا التحرك جاء عقب تصريحات أردوغان التي أثارت دهشة وقلق المجتمع الدولي والعربي، خاصة بعد انكشاف حقيقة قيادة جهاز الاستخبارات التركي عمليات العنف داخل طرابلس.
وأكد عطا أنه بعد تهديدات أردوغان عقد مسؤول استخباراتي تركي رفيع المستوى اجتماعا في إحدى الدول الأفريقية التي تعد حاضنة لعناصر تنظيم القاعدة مع قيادات الإرهاب والعنف المسلح، مشيرا إلى أن هذا المسؤول تولى عملية تدريب هذه العناصر على تنفيذ عملية إرهابية نوعية كبيرة في الشرق الليبي.
ونوه الباحث الليبي بأن جهازا استخباراتيا دوليا من داخل الاتحاد الأوروبي رصد هذا الاجتماع، ما دفع برئيس هذه الدولة لتحذير أردوغان من تحركاته بمنطقة شمال أفريقيا.
وشدد عطا على أن مسؤولية وصول عناصر القاعدة وإعادة إحياء دورها مرة أخرى داخل بنغازي تتحمله كاملاً المخابرات التركية.
وكشف عطا الرسائل الثلاث التي أراد الإرهاب إيصالها، وتتضمن الرسالة الأولى أن العنف داخل بنغازي أخذ مساراً آخر، وأن هناك تصعيدا في بنغازي، إضافة إلى معارك طرابلس.
أما الرسالة الثانية، حسب عطا، فهي أن هناك قائمة من الشخصيات العسكرية داخل الجيش الوطني الليبي تم وضعها على قوائم الجماعات الإرهابية ليتم استهدافهم الأيام المقبلة.
وتقول الرسالة الثالثة إن أعدادا كبيرة من عناصر تنظيمي داعش والقاعدة وصلت إلى الداخل الليبي، وسوف تعلن عن نفسها وتستهدف الشركات الأجنبية مما يضع جميع الأطراف محل اتهام من المجتمع الدولي والدول الأوروبية التي لها شركات نفطية داخل ليبيا.
"لا حرمة لميت" لدى الإرهابيين
وفيما يخص استهداف الجماعات الإرهابية الجنائز والمساجد، أكد محمد يسري الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة أنه "لا حرمة لميت" في أدبيات الجماعات الإرهابية.
وأوضح يسري، في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية"، أن الجماعات الإرهابية لا ترى غضاضة في ذلك طالما لا ينتمي الميت إليها، ما يجعل الجماعات الإرهابية تعتبر جنائز المعارضين أهدافا مشروعة لإيقاع الكثير من الضحايا، الذين يعتبرونهم كفارا بمجرد مشاركتهم في تشييع الجثمان.
وتابع الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة "شهدت السنوات الأربع الماضية عشرات العمليات التي استهدفت فيها الجماعات الإرهابية -خاصة تنظيم داعش- جنائز ومجالس عزاء في العراق وسوريا وأفغانستان وغيرها، راح ضحيتها مئات القتلى والمصابين، حتى وإن كانت هذه المجالس تتم داخل المساجد التي يعتبرونها في أدبياتهم "مساجد ضرار".
وأضاف يسري أن الجماعات المتطرفة تعتبر المساجد التي تقيمها الحكومات "معابد شركية"، وإن من يرضى بالصلاة فيها فقد رضي بمن أنشأها، ومن ثم فقد أصبح حلال الدم بالنسبة لهم، حتى وإن كان يؤدي بها صلاة الجنازة، مشيرا إلى وجود عدد من التأصيلات الشرعية المنحرفة التي تبيح لهم هذا، مثل كتاب "صفة مساجد الضرار والصلاة خلف أولياء الطاغوت ونوابه" لمنظر القاعدة أبي محمد المقدسي.
واعتبر يسري أن استهداف جنازة اللواء خليفة المسماري، القائد السابق للقوات الخاصة الليبية، تحولا جديدا من نوعه في العمليات الإرهابية بليبيا التي لم تشهد مثل هذه العمليات بشكل معروف من قبل، وتحتاج إلى ترتيبات خاصة للتعامل معها.
ورجح يسري حدوث عمليات شبيهة خلال الفترة المقبلة، في ظل حالة التضييق الأمني المفروضة على المليشيات الإرهابية بعد إعلان الجيش الليبي الحرب عليها، فقد تلجأ هذه المليشيات لهذه الآلية الجديدة انتقاما لخسائرها.
دروب حمر
قال فرج الشلوي، عضو مجلس النواب الليبي، إن استهداف جنازة قائد القوات الخاصة السابق اللواء خليفة المسماري تشير إلى وجود بعض الخلايا الإرهابية داخل بنغازي، وتحرك بعض منها لاستهداف بعض القادة الموجودين عند حضور جنازة المسماري.
وتابع الشلوي، في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية"، أن العمليات الإرهابية للمليشيات عند المقبرة تشير إلى رغبتها في تنفيذ أهدافها دون أي مراعاة لأي حرمات.
وأضاف الشلوي، عضو البرلمان الليبي عن مدينة درنة، أنه حتى لو كانت تلك الأماكن هي بيوت الله فلا يتورع هؤلاء الإرهابيون من استهدافها، مشيرا إلى أنه قبل دخول الجيش لمدينة درنة كان الإرهابيون يقومون بعمليات الذبح لمعارضيهم في ساحة المسجد بعد صلاة العصر.
ولفت الشلوي إلى أن الإرهابيين ينفذون أحكامهم عبر إرهاب الناس.
من جانبه، قال جمال شلوف، رئيس منظمة "سليفيوم" للأبحاث والدراسات في ليبيا، "ليس للإرهاب خطوط حمراء لا يتجاوزها، بل للإرهاب آلاف من الدروب الحمر يخوضها بغض النظر عن سفك دماء الأبرياء".
وتابع شلوف، في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية", أن تفجير مقبرة الهواري دليل على أنه حتى الأموات في قبورهم لم يسلموا من شرور اﻹرهابيين وحقائبهم الناسفة، متسائلا: "فهل بقي من البشر والحجر وحتى الأموات لم تطله جرائم اﻹرهاب بعد؟".
وشهدت مقبرة الهواري في مدينة بنغازي 3 تفجيرات، الخميس، بالتزامن مع تشييع جثمان اللواء خليفة المسماري القائد السابق للقوات الخاصة الذي توفي قبل يومين بعد إصابته بمرض مزمن.
وكان يحضر الجنازة عدد من القيادات العسكرية المهمة مثل اللواء المسماري، الذي أكد أنه كان قريبا جدا من موقع التفجيرات، فضلا عن اللواء ونيس بوخمادة قائد القوات الخاصة الليبية الحالي الذي نجا من التفجيرات.
وكان القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر قد كلف الخميس، رئيس الأركان الفريق عبدالرازق الناظوري بفتح تحقيق عاجل مع كل الأجهزة الأمنية حول تفجيرات بنغازي.
كما أدان مجلس النواب الهجمات الإرهابية، وطالبت وزارة الداخلية بالتحقيق في الحادث للوصول إلى الخلايا النائمة التي تسببت في الحادث.