الود الملغوم.. تركيا تناور بورقة الإخوان والرضوخ لمصر
واهم من يعتقد أن تركيا يمكن أن تتخلى عن الإخوان مقابل ود مصر فالمؤكد أن تغيير البوصلة ليس سوى خطوة تكتيكية لتفادي أزمة أو تحقيق مصلحة.
طرح يؤيده خبراء من المطلعين بدقة على الردهة الخلفية للسياسات التركية في عهد رجب طيب أردوغان، وتدعمه حقيقة أن الاستراتيجية الثابتة لدى الأخير تستند بالأساس على توظيف الجماعة للهيمنة تحت عناوين مختلفة.
أما ما يتغير بالنسبة له، فهي التكتيكات الثانوية أو أساليب تحقيق الهدف الأكبر، والأخيرة تتغير حسب ظروف تتمثل هنا في تفاقم عزلة أنقرة بمحيطها الداخلي والإقليمي، وهذا ما يدفعها للمناورة، وإن كلفها ذلك الإيهام بالتضحية بأسس أجندتها.
عزلة عززت ضعف أردوغان المضطر للتعامل مع معطيات متغيرة لا تمضي لصالحه قبل الانتخابات المقبلة ومواجهة المعارضة المستفحلة ضده، فحاول تجاوز كل ذلك ببعض الترميمات في ملفات عديدة دعمت حصاره داخليا وخارجيا، أهمها علاقته بالإخوان التي كلفته مصر، علاوة على مساعيه لضرب تحالف الأخيرة مع اليونان وقبرص.
مصدر سياسي تركي قال إن أنقرة منحت الجنسية لنحو 700 مصري أغلبهم مستثمرون غير منتمين لتنظيم الإخوان، وذلك بالفترة التي سبقت محاولات أردوغان إعادة العلاقات والتقارب مع القاهرة.
غير أن تقارير إعلامية تؤكد من جانبها، أن جميع الحاصلين على الجنسية التركية من المصريين إما من الإخوان أو من المتعاطفين معهم، وإن لا صلة عضوية لهم بالتنظيم.
المصدر نفسه ذكر لـ"العين الإخبارية" أن "منح الجنسية لمصريين جاء بتاريخ سابق لمحاولات تركيا إعادة العلاقات مع مصر"، ما يعني أن أنقرة قامت بتأمين هؤلاء استعدادا لجميع الاحتمالات؛ فإن استمر التوتر مع القاهرة، تكون منحتهم جنسية تؤمن لهم التحرك بلا قيود، خصوصا أن الحصول على الجنسية التركية يشترط آليا لقبا تركيا.
وفي حال عادت العلاقات إلى طبيعتها بين الجانبين، فإن الجنسية التركية ستكون بمثابة بوليصة التأمين بالنسبة للإخوان، ونفاذا من الضغوط.
تكتيك يضمن "الأمان" للتنظيم الإرهابي في جميع الأحوال، ويؤكد أن كافة الحاصلين على الجنسية إما قيادات أو أعضاء أو أنصار أو متعاطفون على الأقل.
دليل آخر على الود المسموم الذي تحاول أنقرة خطبه مع القاهرة، وهو أن النظام التركي لن يتجه أصلا إلى التقارب إلا بتوافق مع التنظيم، وهذا ما أكده بشكل غير مباشر نائب مرشده إبراهيم منير في مقابلة متلفزة قبل أيام.
منير قال إنه يثق ويقبل بـ"وساطة تركيا لحل أزمة التنظيم مع النظام المصري"، مع أنهم حتى وقت قريب لم يكونوا يعترفون أصلا بالنظام المصري، ما يشي بأن كل ما يحصل ليس سوى نتاج لتنسيق تركي إخواني سابق.
وتعليقا على احتمال حدوث تقارب تركي مصري، أضاف: "لا نقف أمام من يحقق الخير"، مع أن "الخير" بالنسبة للتنظيم يكمن في أمر واحد وهو إحياء تواجده عبر الحصول على فرصة لإعداد أجيال تتأثر بالمشروع الإخواني بعيدا عن الصراعات مع النظام السياسي.
فنظام أردوغان لن يسعى أبدا للتقارب مع القاهرة إلا عقب تنسيق مع قيادات التنظيم الباحثة عن هامش أو مساحة تقلل الضغط على أنصارها، والحصول بالتالي على فرصة لإعادة ترتيب الصفوف، وهو الذي تلقى أكبر ضرباته في مصر.
منافع متبادلة بين أنقرة والإخوان تطمح للحصول على شرعية عربية وإقليمية، تؤكدها بيانات الترحيب والتهليل الصادرة عن قيادات التنظيم الهاربة إلى تركيا، واللهجة المرنة المختلفة تماما عن الوعيد والتهديد المتدفق سابقا.