بصرف النظر عن رأينا في سياسات "أردوغان".. هل ما يفعله مؤخراً قابل للنجاح؟
بصرف النظر عن رأينا في سياسات "أردوغان".. هل ما يفعله مؤخراً قابل للنجاح؟
بصرف النظر عن مشاعر الحب أو الكراهية للرجل، بصرف النظر عن تحالفه مع قطر وميوله الإخوانية وتآمره علينا.. هل ما يتخذه هذا الرجل يتفق مع العقل والمنطق والمصالح؟
هل ما يقوم به "أردوغان" يخدم الأمن القومي التركي؟
الإجابة الصريحة الواضحة باختصار وبحياد أن ما يقوم به الرئيس التركي الآن هو تعبير عن "جنون عظمة شخصي" يعكس حالة من فقدان الاتزان السياسي القائم على تغليب مصلحة شخصية ذاتية نرجسية قائمة على ضلالات وأوهام باستعادة إنشاء الإمبراطورية العثمانية بطبعة جديدة تخلق منه "خليفة للمسلمين"، وتجعل من "أنقرة" الأستانة الجديدة، وتجعل من عرب اليوم، بشراً وحدوداً وثروات، تابعة تماماً لـ"الباب العالي"!
المشهد الحالي هو مشهد رجل يبلغ من العمر 66 عاماً، لديه 4 سنوات على نهاية مدته، يعاني من ضغوط هائلة من الداخل والخارج، ومؤشرات مخيفة بفقدان الشعبية، ليصبح يائساً متوتراً يسعى إلى اتخاذ أي إجراءات والتورط في أي مغامرات مهما كانت مكلفة تحت تأثير مشاعر: أنا الغريق - لا محالة - فما خوفي من البلل!
ويرى الرجل أن الخلافة العثمانية الجديدة عليها أن تفعل مثل الخلافة القديمة، وتحتمي بعباءة الإسلام حتى تسود وتحكم، لذلك اختارت - هذه المرة - نسخة معدلة من الإسلام السياسي عبر التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين.
حلم "أردوغان" يقوم على 4 عناصر:
- أنقرة تحكم.
- دول الخليج تموِّل.
- مرشد الإخوان يعطي الغطاء الديني.
- المؤسسة العسكرية التركية تنفذ عمليات التوسع والهيمنة.
من هنا ليس غريباً أن نرى الآتي:
1- قواعد عسكرية ووجود أمني تركي حالي في قطر وجيبوتي وليبيا والصومال وسوريا والعراق وقبرص التركية.
2- السعي إلى الحصول على ثروات غاز ونفط من سوريا ولبنان وحدود وسواحل اليونان وقبرص.
3- محاولة فرض سياسة قرصنة بحرية مسلحة في سواحل البحر المتوسط من اليونان عبوراً بليبيا حتى لبنان.
4- إجبار كل من موسكو وواشنطن في آن واحد على قبول عقيدة تسليح يتقاسم فيها الجيش التركي نوعي سلاح أمريكي - روسي في آن واحد.
هذا كله يتم في وقت تشتبك فيه تركيا مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والبرلمان الأوروبي في كثير من الملفات الشائكة.
وهذا كله يتم، والليرة التركية تعاني من هبوط تاريخي، وعجز الموازنة في تزايد، والبطالة لدى الشباب أصبحت ضاغطة، ما ينذر باحتمالات الاضطرار إلى إجراء انتخابات نيابية جديدة ومبكرة.
ويشعر "أردوغان" بقلق من نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة التي فقد فيها حزبه مواقع تقليدية في مدن رئيسية كانت تابعة لنفوذه، مثل مدن إسطنبول وأنقرة وأزمير، في الوقت الذي زادت فيه الشائعات عن اتهامات الفساد لزوج ابنته المقرب جداً إليه.
تنتهي مدة حكم "أردوغان" عام 2024، إلا أن تحليلات المراقبين تنبئ بأن أخطاء الرجل الفادحة في الداخل والخارج تضغط عليه للجوء لانتخابات مبكرة، سِجْل "أردوغان" في القمع والاستبداد الداخلي مذهل، فتركيا الآن هي الدولة الثانية في اعتقال الصحفيين، وواحدة من أسوأ 10 دول في حقوق الإنسان، ومن أسوأ الدول في مؤشر الفساد الحكومي.
هناك استحالة نسبية لقدرة عسكرية لأي دولة حتى لو كانت "سوبر إقليمية" بأن تكون لديها قوات مسلحة محاربة تحتل أراضي في سوريا والعراق وليبيا وقطر وجيبوتي ولديها قطع بحرية قبالة سواحل: اليونان وقبرص وليبيا وسوريا في آن واحد!
يبلغ تعداد الجيش التركي 670 ألف جندي وضابط، وترتيبه يبلغ الـ14 في ترتيب جيوش العالم، وينفق سنوياً قرابة 20 مليار دولار أمريكي.
هذا الجيش يتعين عليه ضبط الأمن في الداخل وحماية الأماكن الاستراتيجية وتأمين حدود تركيا مع العراق وسوريا ومداخل ومخارج معسكرات النازحين السوريين البالغين 4 ملايين.
هذا الجيش أيضاً لديه هاجس من إشكاليات سياسية لمركّب أساسي من مكونات السكان فى تركيا وهو الأكراد الأتراك.
وتزداد مهام الجيش التركي وتصبح أكثر تمدداً إن علمنا أن تركيا توفر ثاني أكبر عدد من القوات البرية في حلف الناتو بعد عدد القوات الأمريكية.
من هنا تصبح معادلات السياسة الخارجية لدى "أردوغان" تصادمية، وعمليات تمدده ومغامراته العسكرية فيها تمدد مستحيل الكفاءة ومستحيل التحقق، ذلك كله يلقي بظلاله السلبية على الأداء الاقتصادي في الداخل، ما ينذر بتعريض الرجل وحزبه إلى مخاطر شديدة.
المشهد الحالي هو مشهد رجل يبلغ من العمر 66 عاماً، لديه 4 سنوات على نهاية مدته، يعاني من ضغوط هائلة من الداخل والخارج، ومؤشرات مخيفة بفقدان الشعبية، ليصبح يائساً متوتراً يسعى إلى اتخاذ أي إجراءات والتورط في أي مغامرات مهما كانت مكلفة تحت تأثير مشاعر: أنا الغريق - لا محالة - فما خوفي من البلل!
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة