استقالة وزير الداخلية.. فصل جديد من مسرحيات أردوغان الهزلية
استقالة جاءت على خلفية فضيحة قرار فرض حظر التجوال الذي فجّر غضبا واسعا في عموم تركيا
استقالة جديدة يتحملها كبش فداء جديد لقرارات رعناء يتخذها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ظل أزمة كورونا، يدفع فاتورتها هذه المرة وزير الداخلية سليمان صويلو.
مطلعون يؤكدون أنها إقالة وليست استقالة جاءت على خلفية فضيحة الجمعة الماضي، حين أعلن قرار فرض حظر التجوال خلال الساعات الأخيرة من اليوم المذكور ضمن تدابير مواجهة الوباء، الأمر الذي تسبب في تدافع المواطنين وتكدسهم بشكل جنوني أمام المتاجر والأسواق.
ورغم أن صويلو أعلن استقالته عبر موقع "تويتر"، واستعرض جملة الأسباب التي قال إنها دفعته لترك منصبه، فإن كواليس القرار، والتغريدة في حد ذاتها، تثير كمّا هائلا من التساؤلات، خصوصا أن خطوة مماثلة، أي إعلان الاستقالة عبر مواقع التواصل، ما كان أردوغان ليسمح بها أبدا، وصويلو يدرك ذلك جيدا.
غموض يلف القرار ويرجح احتمال كونه جزءا من مسرحية جديدة يكتب فصولها أردوغان عبر وزرائه، لتوجيه الأنظار نحو قضية مفتعلة وإبعاد الرأي العام عن متابعة جوهر القضية؛ ألا وهو الإخفاق الذريع لأنقرة في التصدي للوباء المريع الذي يحصد أرواح الأتراك وسط تهاون حكومي لافت.
المسرحية.. الجزء الأول
بشكل مفاجئ، أعلن صويلو، الأحد، استقالته من منصبه، عبر حسابه بموقع "تويتر"، قائلا: "أتحمل المسؤولية الكاملة لتطبيق قرار حظر التجوال بالبلاد نهاية الأسبوع ضمن خطة مواجهة أزمة وباء كورونا، في ظل هذه الظروف الحساسة التي نمر بها".
وتابع: "ولكن مقاطع الفيديو التي ظهرت في الساعات الأولى، لم تتوافق مع مسار هذه المرحلة.. عشرات التجارب التي عشتها، لم يكن من اللازم أن تتسبب في هذه المشاهد والأحداث التي أتحمل مسؤوليتها"، في إشارة إلى مقاطع الفيديو والصور التي أغرقت وسائل التواصل، لمواطنين تكدسوا عقب القرار بشكل مخيف في الأسواق دون ارتداء الأقنعة الطبية أو القفازات.
ولفت صويلو إلى أنه اتخذ قراره بالاستقالة بعدما لاحظ محاولات لتحميله المسؤولية عن حالة الاضطراب التي حدثت عقب إعلان قرار حظر التجول الذي لم يصدره من تلقاء نفسه، في إشارة تؤكد أن دوره كان يشمل فقط الإعلان عن القرار، وأن أردوغان هو من اتخذه.
خطوة متأخرة، كما يبدو أنها أغفلت ضرورة التنسيق مع بقية الوزارات، ما فجر غضب وزير الصحة على وجه الخصوص، فخر الدين قوجة، الذي أعرب عن استيائه من غياب التنسيق مع وزارته في قرار يعنيها بشكل مباشر في خضم الأزمة الخانقة.
القرار لم يثر استياء قوجة فحسب، وإنما فجر أيضا غضب رؤساء البلديات ممن فوجئوا بخطوة أعلن عنها صويلو في تمام الساعة 22:00 بالتوقيت المحلي من مساء الجمعة، على أن يسري اعتبارا من منتصف الليل، أي بعد ساعتين فقط من إعلانه، دون سابق إنذار، ما أدى إلى حالة من الارتباك وجدل واسع في أوساط المواطنين وانتقادات حادة من جانب المعارضة التي لطالما طالبت بتطبيق حظر التجوال منذ بدء انتشار الوباء في 10 مارس/ آذار الماضي.
الجزء الثاني.. أردوغان يرفض
قرار مفاجئ واستقالة عبر "تويتر"، وتحمّل للمسؤولية، تلتها أخبار نقلتها مصادر إعلامية مقربة من الحكومة التركية، تفيد بأن أردوغان رفض استقالة صويلو في اتصال هاتفي.
في الأثناء، اعتبر رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليجدار أوغلو: "لا أعتقد أن قرار استقالة وزير الداخلية فردي".
ولاحقا، نقل إعلام تركي موال للنظام عن "مصدر متابع" قوله إن حسن دوغان، مدير مكتب أردوغان مزق رسالة استقالة صويلو التي قدمها الأحد، وذلك بعد رفضها من قبل الرئيس التركي.
دقائق فقط بعد ذلك، أصدرت الرئاسة التركية بيانا جاء فيه أن أردوغان يرفض استقالة صويلو. وقال البيان: "نرفض استقالة وزير الداخلية سليمان صويلو نظرا للإنجازات التي حققها منذ محاولة الانقلاب الفاشلة حتى يومنا هذا"، ما يعني أن الأخير سيستأنف مهامه الروتينية، مع فارق هام وهو أن الأتراك لن يتحدثوا بعد الآن عن قرار حظر التجوال الكارثي وتداعياته، وإنما سيتناولون خبر الاستقالة، وقد تعج مواقع التواصل بالإشادات به، بل هذا ما حصل بالفعل.
في الأثناء، لم يغفل أردوغان الإيعاز لداخليته للإعلان عن انتهاء حظر التجوال المفروض في 31 ولاية منذ يومين، لتكتمل فصول المسرحية، ويعود الأتراك إلى المربع الأول: انتظار قرارات فعالة تحميهم من الوباء وإجراءات يبدو أنها لن تأتي أبدا.
طورهان.. إقالة غامضة
في 28 مارس/ آذار الماضي، أعلن مرسوم صادر عن الرئاسة التركية إقالة وزير النقل محمد جاهد طورهان من منصبه.
ولم تقدم الرئاسة حينها أي تفاصيل حول أسباب القرار، مكتفية بالإشارة إلى تعيين عادل كارا إسماعيل أوغلو وزيرا جديدا بالمنصب.
تغيير مُفاجئ أيضا، جرى بعد مُنتصف ليل الجمعة-السبت من اليوم المذكور، وفي وقت كانت حكومة أردوغان بدأت فيه لتوها بفرض قيود على السفر الدولي وبين المدن بعد أن قفز عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا إلى رقم مخيف بفترة قياسية بالنسبة للدول الأخرى.
ففي تلك الفترة، وقبل إعلان قرار الإقالة، واجه طورهان ووزارته انتقادات لاذعة على خلفية عقده أول مناقصة للتحضير لبناء قناة ضخمة على مشارف إسطنبول وسط تفشي المرض، وهي القناة التي كان أردوغان يُقاتل من أجلها رغم الانتقادات البيئية والتكاليف المالية الباهظة وعدم الجدوى الاقتصادية.
مناقصة جرى عقدها بمباركة الرئيس التركي، وإرضاء له، لكن حين تفجرت الانتقادات، لم يجد بدا من التضحية بوزيره رغم أنه يعد أكبر مستشاريه وأكثر المقربين منه.
سيناريو يبدو شبيها إلى حد ما مع استقالة صويلو رغم اختلافات جوهرية تشمل بالأساس أن أردوغان لا يمكنه التخلي عن وزير داخليته في هذا التوقيت الحساس أولا، وثانيا لأن صويلو يعتبر ذراعه اليمنى في قمع المعارضين واعتقال المنتقدين وتكميم الأفواه، ولذلك فإن خسارته أمر لن يسمح به أبدا.
لذلك، فإن التسلسل المنطقي للأشياء يؤكد أن إعلان الاستقالة من قبل صويلو لم يكن سوى جزء من مسرحية تسقط عنه دور المذنب وتقمصه دور الضحية أو المسؤول "النزيه" الذي لا يتوانى عن التخلي عن منصبه لمجرد شعوره بالمسؤولية عن قرار خاطئ.
وهنا، يضرب صويلو ومن ورائه أردوغان عصفورين بحجر واحد؛ إذ يتحول إلى بطل أمام الرأي العام المحلي ويخمد الانتقادات المنصبة ضده، ويقطع الطريق على المعارضة التي لطالما استهجنت سياسته في قيادة الوزارة، من خلال استعراض "الدعم" الافتراضي الذي حصل عليه عقب إعلان استقالته من عدد من الأتراك.
وهكذا، يتخلص الوزير ورئيسه من كل الانتقادات التي طالت فشلهما في إدارة أزمة كورونا، ويجذبان الأنظار نحو قضايا جانبية مفتعلة بعيدة عن جوهر الحقائق والواقع المؤلم للأتراك بمواجهة الفيروس القاتل.
aXA6IDMuMTQyLjUzLjE1MSA= جزيرة ام اند امز