وجه أحمد داود أوغلو رئيس وزراء تركيا الأسبق صفعة سياسية للرئيس أردوغان في سلسلة تغريداته نشرها الأسبوع الماضي.
وجّه أحمد داود أوغلو، رئيس وزراء تركيا الأسبق، صفعة سياسية للرئيس أردوغان في سلسلة تغريداته نشرها الأسبوع الماضي على حسابه، وهي ضرورة إجراء تغيير في الوضع السياسي العام في أعقاب خسارة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية في عدة مدن تركية؛ حيث يعتزم أوغلو إنشاء حزب جديد يضم خمسين نائباً برلمانياً وأعضاء منشقين عن حزب أردوغان الذين عملوا معه ويعرفون أساليبه السياسية.
ستشهد تركيا منعكسات البيان السياسي في الأوساط الشعبية البالغة الأهمية؛ حيث دأبت تلك الأوساط أن تكون وكما يزعم أنصار أردوغان صمام أمان، إلا أنها غدت اليوم تحمل مخاضات عميقة ذات دلالات واسعة يقابلها إفلاس سياسي في حزب أردوغان وانهيارات في قيادته وفي مراهناته المستعصية وأحلامه العثمانية التي باءت بالفشل.
وأوغلو الذي قدم استقالته في مايو/أيار عام 2016 من رئاسة الحكومة على خلفية وقوع خلافات سياسية مع أردوغان، ينتقد اليوم بوضوح النظام الرئاسي من حيث الجمع بين رئاسة الحزب ورئاسة الجمهورية بشخص واحد؛ معتبراً أن حزبية الرئيس لا مشكلة فيها لكن قيادته للحزب والدولة معاً تترتب عليها مشكلات كبيرة تجعل من الرئيس في حالة خصومة مع ما يقارب نصف المجتمع، كما تؤدي إلى الانفصال عن مطالب الشعب وعن الأهداف السياسية التي تأسس من أجل تحقيقها، كالديمقراطية والحريات والعدالة الاجتماعية والرفاه الاقتصادي وعضوية الاتحاد الأوروبي وحالة القضاء التابع للسلطة التنفيذية وغياب مبدأ الفصل بين السلطات، ومحاربة حرية التعبير والمعايير المزدوجة في مكافحة حركة فتح الله غولن.
بعد اختفائه عن الساحة السياسية ظهر داود أوغلو فجأة قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية يونيو 2018، ما فسره البعض بأنه محاولة لدعم عبدالله جول، الذي وصل إلى رئاسة تركيا عبر حزب العدالة والتنمية، وهو اليوم على خلاف مع أردوغان بسبب مواقفه المتعارضة مع حكومة العدالة والتنمية، ومن المحتمل أن يكون ضمن المؤسسين للحزب الجديد بزعامة داود أوغلو.
وقد انتقد رئيس تركيا الأسبق –جول- سياسات خلفه رجب أردوغان، الذي داس على الديمقراطية تحت قدميه، مصرحاً: "مستقبل البلاد مظلم وأشعر بالقلق بما إني أفهم السياسة ولو قليلاً، وبما إن لدي تجربة كرجل دولة ولو قليلاً، فإنني لا أستطيع النوم خوفاً على مستقبل تركيا".
أوغلو أوضح في بيانه بأن حاجة تركيا إلى دستور مدني وديمقراطي شامل أصبحت أكثر من أي وقت مضى، وقال: "كنت قد طرحت على رئيسنا بشكل خطي ولفظي هواجسي ومقترحاتي حول مسائل أساسية تتعلق بالبرلمان ينبغي معالجتها فوراً، وأقول متأسفاً إن نموذج النظام الجديد لا يلبي تطلعات أمتنا سواء من حيث أسلوب الهيكلة أو التنفيذ، وفي هذا الجانب نحتاج إلى إجراء مراجعة جادة وصادقة حول مسألة تغيير النظام".
وأكد أوغلو أن النقطة الأولى التي يجب أن البدء بها في هذه المراجعة هي مسألة وجود وحماية سيادة القانون التي تعتمد على إعادة بناء مبدأ الفصل بين السلطات، كما أصبح توسيع مجال الحرية في أسرع وقت ممكن شرطاً أساسياً لإعادة بناء ثقتنا بأنفسنا التي نعتز بامتلاكها، فالصحفي والأكاديمي وقادة الرأي والسياسي، وأي شخص كان ممن يعبر عن أفكاره لا يجب أن يقابل بتهديدات بالفصل من عمله أو بالتشهير أو أن يصبح ضحية وسائل التواصل الاجتماعي، وأن تتم إهانته، ويجب حماية الحق في الانتقاد والتعبير عن الأفكار، حتى أبعد مدى ممكن. وتقديم الحماية للصحافة التي توصف في الديمقراطيات المتقدمة على أنها السلطة الرابعة، والتي تعتبر في الوقت ذاته العنصر الأساسي للفكر الحر والنقد، التي باتت وسيلة للدعاية تدار من قبل مصدر واحد، فالحرية الصحفية الحقيقية هي الجهاز المناعي لديمقراطيتنا ومن ثم فإن تدميرها والتوجه إلى احتكار الصحافة بأساليب قمعية وغير قانونية أدى إلى تضييق القدرة العقلية لتركيا.
السلوكيات التي مارسها حزب العدالة والتنمية أوحت أنه لا إمكانية له بإنقاذ البلاد من الأزمات التي لحقت بتركيا، ومنذ تولي أردوغان الرئاسة تراجعت مفاهيم الديمقراطية وظلت النزعات الفردية تتحكم بسلطته؛ حيث لا يتورع عن صب جام غضبه على الذين لم يسيروا في فلكه. كما تنامت شخصيته السايكوباثية المسكونة بالأمراض النفسية وبالاعتبارات الغوغائية القائمة على تضخم الذات ودورها في تجاهل الآخر وبما للآخر من حقوق وثوابت تاريخية وواقعية، مما أدى إلى انعدام الثقة ما بينه وبين بقية الأحزاب، وحتى في داخل حزبه الذي شهد تراجعاً في الانتخابات المحلية وكذلك انتشار مساحة النخر الأردوغاني من الداخل التركي إلى الجوار السوري والعراقي.
ولا ريب أن ثمة احتمالات أخرى قد تظهر تداعياتها جراء بيان أوغلو وقد تحدث هزات سياسية داخلية ليس في نطاق حزب العدالة وحسب، إنما بالمجمل ما حدث يؤثر على الذهنية الأردوغانية، وستشهد تركيا منعكسات البيان السياسي في الأوساط الشعبية البالغة الأهمية؛ حيث دأبت تلك الأوساط أن تكون وكما يزعم أنصار أردوغان صمام أمان، إلا أنها غدت اليوم تحمل مخاضات عميقة ذات دلالات واسعة يقابلها إفلاس سياسي في حزب أردوغان وانهيارات في قيادته، وفي مراهناته المستعصية وأحلامه العثمانية التي باءت بالفشل والهزيمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة