اقتراب "الربيع التركي" يفضخ مخاوف وتناقض أردوغان
الرئيس التركي يؤكد قرب "الربيع التركي" في بلاده ويعلن مخاوفه ورفضه، بل ينتقد ما سمي بـ"الربيع العربي" الذي كان يدعمه ويدافع عنه
رجب طيب أردوغان الذي دعم ما سمي بثورات الربيع العربي حين بدا أنها ستمكن الإخوان من حكم أكثر من عاصمة عربية، يعود اليوم رافضا فكرة الربيع من جذورها حين اقتربت "نسائمه" من أبواب أنقرة.
فالنيران التي كوى بها بلدانا عديدة تقترب اليوم من عرشه وتهدد بالإطاحة به، فانتفض الرئيس التركي مرتعدا مرعوبا من فكرة سريان عدوى العواصف التي أججها إلى بلاده.
أشباح الداخل
المكان: مركز إسطنبول للمؤتمرات، والمناسبة: حفل توزيع جوائز "أسبوع الابتكار التركي".. بدا المشهد برمته لا يحتمل أي خطاب سياسي، بل إن المجازفة بالدخول في حديث عن صراعات السلطة في الداخل والخارج نشاز ينم عن جهل كبير بتقنيات الاتصال.
لكن أردوغان المصاب بهوس المؤامرات، والمسكون بعقد ذنب لا تحصى جراء مؤامراته في المنطقة العربية عموما، لم يتمكن في كلمته خلال الحفل من استحضار جميع متاهاته النفسية وعقده السياسية.
زعم أن الحالمين بحدوث ربيع تركي واهمون، مشددا على أن تركيا ليست الشرق الأوسط، بل هي "أكبر من أن يقدر أحد على ابتلاعها".
ورغم دعمه "الربيع العربي"، قال أردوغان إن "البعض لا يزالون يحنون إلى حدوث ربيع تركي، في حين تحوّل كل مكان جلبوا له الربيع إلى شتاء حالك".
تصريحات استنبطت اتهامات للجميع.. الأشباح نفسها التي تراود الرئيس التركي مذ بدأت مقاليد السلطة تفلت من بين يديه، خصوصا عقب خسارته أهم المدن في الانتخابات المحلية الأخيرة.
هزيمة مذلة قرأها أردوغان بأنها بداية "ربيع تركي" قادم لا محالة، في ظل التراجع الحاد لشعبيته على وقع أزمة اقتصادية طاحنة تسببت فيها سياساته الغاشمة.
ربيع يدرك أن نسائمه بدأت تطل منذ فترة، في وقت يصر فيه نظامه على استخدام أساليب القمع السافر لأطياف المعارضة، ما أدى لزيادة حدة الأزمة الداخلية التي تعاني منها البلاد، وتدفع بها إلى مصير مجهول، وهو ما دفع برفاق الماضي لتشكيل أحزاب جديدة معارضة.
الخطاب الذي صنع نشازا قاتلا مع مضمون المناسبة، بدا من خلاله أردوغان في غاية الاستياء من الحديث المتكرر عن نية رموز سياسية في حزبه الانشقاق وتأسيس أحزاب معارضة تطمح لإنهاء حكمه.
مرارة يبدو أنها دفعته للخروج لتوزيع الاتهامات على الجميع، في كلمة أظهرت تخبط الرجل وتضاربه، وهو الذي استمات في دعم ما سمي بـ«ثورات الربيع العربي»، حين اعتقد واهما أن الإخوان سيصلون للسلطة في أكثر من بلد عربي.
واليوم، حين رفرفت نسائم «الربيع» نفسه على أبواب بلاده، عاد ورفض الفكرة من جذورها، متجاهلا تصاعد التململ الشعبي في بلاده جراء الأزمة الاقتصادية التي صنعها نظامه بقرارات فاشلة ومغامرات إقليمية تنم عن مراهقة سياسية ودبلوماسية غير مسقوفة.
وبالمرارة ذاتها التي لم تفارق لكنته وملامحه، بدا أن معظم كلامه يشير ضمنيا إلى تحركات رفاق دربه في الماضي، الرئيس التركي السابق عبدالله جول ورئيس الوزراء السابق داوود أوغلو ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان، مجموعة بدأت مشاورات مكثفة لتأسيس أحزاب جديدة، تشكل جبهة معارضة قوية بوجه أردوغان.
أشباح الخارج
ومن معارضيه في الداخل، صوب أردوغان سهامه أيضا إلى الخارج، وتحديدا إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وحتى حلف شمال الأطلسي «الناتو» والذي تشكل بلاده أحد أعضائه.
وبالأداة السخيفة ذاتها التي تستغل ملف اللاجئين، هاجم الرئيس التركي أوروبا قائلا إن «الدول الأوروبية التي تنعم بالطمأنينة، مدِينة لتركيا التي تستضيف 4 ملايين لاجئ».
وفي اتهام مباشر لبلدان أوروبية بالوقوف وراء محاولات زعزعة الاستقرار في تركيا، تابع «بدأت المدن الأوروبية في الاحتراق، وعلى الراغبين بتحريك خطوط الصدع الاجتماعي بتركيا النظر أولا إلى الأرضية الهشة التي يجلسون عليها».
اتهامات بدت محرجة للرئيس التركي أكثر منها للمرسلة إليهم، وأظهرت استياءه الكبير من رفض انضمام بلاده للتكتل الأوروبي حتى الآن، ومحاولاته المستمرة للنأي بسياساته الفاشلة عن أزمة بلاده.
وبطبيعة الحال، ما كان أردوغان ليفوت فرصة استحضار "المؤامرة الكونية ضد الأمة التركية"، ويتطرق من جديد إلى صفقة شراء منظومة الدفاع الصاروخية «إس 400» الروسية، في ظل تلويح واشنطن في المقابل بتعطيل صفقة تسمح لأنقرة بالحصول على مقاتلات «إف 35».
وكطواحين في الهواء، تابع اتهاماته وتهديداته قائلا "نقول للذين لا يحترمون الاحتياجات الدفاعية لبلادنا، والذين يظنون بأنهم سيحشروننا في الزاوية عبر تهديدات بفرض عقوبات، إن تركيا ليست الشرق الأوسط ولا البلقان ولا أمريكا الجنوبية".
aXA6IDMuMTQwLjE5OC40MyA= جزيرة ام اند امز