تركيا و"العمال الكردستاني".. تصعيد دون أفق ونزيف خسائر لا يتوقف
المواجهات مع حزب العمال الكردستاني كلفت تركيا خسائر بشرية وأضرار مادية بالغة
عاد التصعيد ليكون سيد الموقف بين تركيا وحزب العمال الكردستاني في الأشهر الأخيرة بعد الاشتباكات العنيفة التي جرت بين الجانبين قرب الحدود العراقية.
وبحسب المراقبين السياسيين الأتراك، فقد أصبح جليا أنه لا ثقة بين حكومة حزب العدالة والتنمية وحزب العمال الكردستاني؛ فالأولى ترى في الحزب تنظيما إرهابيا يهدف إلى تقسيم البلاد وإقامة دولة كردية في المنطقة، في المقابل يرى الجانب الثاني أن سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه الأكراد لا تهدف إلى إيجاد حل سياسي للقضية، بل تصفيته تنظيميا وعسكريا، وبين هذا وذاك يبقى التصعيد العسكري سيد الموقف بين الجانبين.
وأصبح الصراع الدائر بين تركيا وحزب العمال الكردستاني على وشك الدخول في مرحلة جديدة ستختلف في خصائصها الكمية والنوعية عن الذي كان دائرا في الفترة السابقة.
وفي هذا الصدد، قال الخبير الاستراتيجي محمد دمير، في حديث لبوابة العين الإخبارية، إنه على الرغم من تحذيرات الرئيس التركي من أن بلاده ستقوم بتدمير معاقل حزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق؛ فإن المواجهة الجديدة بين الجانبين في هذه الأيام تبدو أكثر من أي وقت مضى من دون أفق يسمح للجيش والأمن التركيين بحسمها.
وأشار دمير إلى أن الحل السياسي هو الوحيد للأزمة الكردية التي تتشابك فيها العوامل الداخلية بالظروف والمعطيات الإقليمية.
وعلى خلفية التطورات الداخلية والإقليمية والدولية الجارية تشير التوقعات إلى أن حزب العمال الكردستاني سيواصل نشاطه في المنطقة وفقا لمبدأ الجمع بين ثنائية التصعيد والتهدئة؛ بحيث يتم اللجوء لخيار التصعيد عندما يتوافر غطاء دعم محوره واشنطن، ويتم اللجوء لخيار التهدئة عندما ينعدم هذا الغطاء.
وبحسب المعلومات والإحصائيات الحديثة المتوافرة فإن المواجهات مع حزب العمال الكردستاني قد كلفت تركيا خسائر بشرية وأضرار مادية بالغة تمثلت في التالي:
• القتلى الأتراك
من 26 إلى 30 ألف قتيل من عناصر الجيش التركي، إضافة إلى نحو 6 آلاف قتيل من عناصر الشرطة التركية، إضافة إلى سقوط بين 6 و7 آلاف قتيل من المدنيين، في حين بلغ عدد قتلى حزب العمال الكردستاني نحو 15 ألف مسلح.
• الخسائر الاقتصادية الداخلية
بلغت جملة الخسائر المباشرة في مجال البنيات التحتية التركية نحو 200 مليار دولار أمريكي وبحسب التقديرات التقليدية المتعلقة بخسائر النزاعات؛ فإن حجم الخسائر غير المباشرة يعادل في معظم الأحوال 3 أضعاف حجم الخسائر المباشرة.
• الخسائر الاقتصادية الخارجية
تُعَد منطقة جنوب شرق تركيا بمثابة الممر البري الحيوي الذي يربط الاقتصاد المحلي باقتصاديات كل من سوريا والعراق وإيران, وبسبب تزايد التصعيدات والتهديدات العسكرية في هذه المنطقة؛ فقد ترتب على ذلك حرمان الاقتصاد التركي من مزايا تعزيز وتوسيع الروابط الاقتصادية الإقليمية, وهي خسائر لا تقدر بثمن.
• الخسائر الاجتماعية
أدت عمليات حزب العمال الكردستاني إلى توتر العلاقات الكردية-التركية، وذلك بسبب ما ترتب على هذه العمليات من تعبئة سلبية فاعلة أسفرت عن الخصومات والعداوات التي ألحقت ضررا بالغا بالنسيج الاجتماعي الوطني التركي وفي هذا الخصوص ما تزال المجموعات السكانية التركية التي تعيش في المحافظات الكردية تواجه المزيد من عمليات العنف الرمزي الاجتماعي والشيء نفسه بالنسبة للأقليات الكردية التي تعيش في المحافظات التركية الوسطى والشمالية والغربية.
واتفق الكثيرون على أنه من غير الممكن إن لم يكن من المستحيل أن ينجح حزب العمال الكردستاني من القيام بحسم الصراع العسكري لصالحه، وذلك لأن إلحاق الهزيمة العسكرية بالجيش التركي أمر غير وارد في ظل الوضع الحالي والشيء نفسه بالنسبة للجيش التركي؛ فهو وإن كان قادرا على القيام بتوجيه الضربات القوية الناجحة ضد قواعد وعناصر حزب العمال، فإن تعاطف السكان المحليين في مناطق جنوب شرق تركيا وشمال العراق سوف يظل مصدر الدعم والسند الرئيسي الذي يتيح لحزب العمال القيام بتعويض الخسائر والحفاظ على تجديد قدراته.
aXA6IDE4LjExNy4xMDYuMjMg جزيرة ام اند امز