"ديتيب" التركية.. تجسس وشبكات نفوذ تهدد النظام في ألمانيا
ديتيب هي أكبر منظمة مظلية للمساجد في ألمانيا، وتشرف على أكبر مسجد في البلاد، وهو المسجد الكبير في مدينة كولونيا.
لا يعدو "الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية في ألمانيا" (ديتيب)، أكثر من غطاء لأنشطة تجسس وشبكات نفوذ وعلاقات قوى ووعاء لأفكار تعادي النظام الديمقراطي، وتفتح الباب أمام نشر رؤى تهدم المجتمعات الغربية، ما يجعل هذه المنظمة محل جدل وقلق كبيرين في ألمانيا، وفق تقارير صحفية وحكومية.
ولا تكتفي الحركة التي تملك 900 مسجد في ولايات ألمانيا الـ16، بخدمة المصالح والأهداف المشبوهة لنظام رجب طيب أردوغان، في ألمانيا، بل أيضا تمثل عبئا ثقيلا على السياسة الألمانية بعد تصنيفها من قبل هيئة حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية" كـ"تهديد" للنظام الديمقراطي، وتدشينها علاقات قوية مع "الإخوان" الإرهابية.
وتعد "ديتيب" أكبر منظمة مظلية للمساجد في ألمانيا، وتشرف على أكبر مسجد في البلاد، وهو المسجد الكبير في مدينة كولونيا "غرب"، ويشغل عضويتها 800 ألف شخص في الأراضي الألمانية.
ووفق مركز الدراسات التابع للبرلمان الألماني، فإن ارتباط "ديتيب" بالنظام التركي ليس محل شك. وذكر المركز في تقرير صدر في 2018 "ديتيب مرتبطة بشكل مباشر بمديرية الشؤون الدينية التي تخضع لإشراف مباشر من أردوغان".
مديرية الشؤون الدينية التركية ترسل الأئمة إلى مساجد "ديتيب" في ألمانيا، فيما تدفع رواتب هؤلاء القنصلية التركية في برلين خلال مدة إقامتهم في الأراضي الألمانية، ما يعني أن أنقرة هي من تحدد الرسائل الدينية التي يزرعها الأئمة في الأشخاص المقيمين في ألمانيا، وفق التقرير ذاته.
ارتباط "ديتيب" القوي بالنظام التركي، وخدمتها مصالحه وترويجها لأجندته السياسية دفع هيئة حماية الدستور إلى تصنيف المنظمة "معادية للنظام الديمقراطي"، ودراسة وضعها تحت رقابتها، وفق تقرير للإذاعة الألمانية "حكومية". كما تغيرت نظرة الحكومة الألمانية للمنظمة التركية من شريك في ملف اندماج المهاجرين، إلى منظمة تحيط بأهدافها ونظم عملها الشكوك.
وفي 2018، تراجع الدعم المالي الذي تتقاضاه المنظمة من الحكومة الألمانية إلى 300 ألف يورو فقط، مقارنة بـ1.5 مليون يورو في 2017، نتيجة للشكوك المحيطة بها، حسب ما ذكرته الإذاعة الألمانية.
صحيفة "نويه زوريشر" السويسرية الخاصة الناطقة بالألمانية أبرزت التوتر الكبير في العلاقة بين "ديتيب" والحكومة الألمانية.
وأوضحت في تقرير نشرته مؤخرا "منذ سبتمبر/أيلول الماضي، حينما حضر أردوغان احتفالا فوضويا بمناسبة افتتاح أكبر مساجد الحركة في مدينة كولونيا "المسجد المركزي"، والعلاقة بـ"ديتيب" والسلطات الألمانية متوترة، وباتت الحركة تمثل عبئا ثقيلا على السياسة الألمانية".
ومضت قائلة: "أقصت الحركة كل السياسيين الألمان من الحفل، وأبرزت افتتاح أردوغان للمسجد وكأنه انتصار شخصي للرجل، ما أثار الغضب في ألمانيا".
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، حيث تمادت المنظمة في لعب دور ذراع أردوغان الطولى، وبعد الانقلاب المزعوم في 2016، وجهت السلطات الألمانية تهم التجسس إلى 19 إماما تابعين للحركة بعد أن قاموا بالتجسس وكتابة تقارير موجهة للحكومة التركية عن أعضاء في حركة الداعية عبد الله غولن، وفق صحيفة "بيلد" الألمانية واسعة الانتشار.
كما كان انتشار مقاطع فيديو لأطفال يمثلون معارك العثمانيين في مساجد "ديتيب"، ودعوات الصلاة في نفس المساجد من أجل نصرة الأتراك في عدوانهم على سوريا، لحظات فارقة في العلاقات بين الحركة والسلطات الألمانية في السنوات الأخيرة، حسب "نويه زوريشر" السويسرية.
وذكرت الصحيفة "حقيقة أن الأطفال يتعرضون لخبرات وتعاليم داخل هذه المساجد، يمكن أن تقودهم يوما ما إلى التطرف، يمثل قلقا كبيرا للسلطات في ألمانيا".
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، عمدت المنظمة لتقوية علاقاتها مع الإخوان الإرهابية، ونظمت مؤتمر الإسلام في المسجد الكبير في كولونيا، بحضور عناصر الجماعة، مثل خالد حنفي وإبراهيم الزيات، وفق موقع "إيه آر بي" الإخباري الألماني.
وأسفر الاجتماع عن تشكيل مجلس تنسيقي أعلى للمسلمين في أوروبا يضم "ديتيب" والإخوان، وهو الأمر الذي أثار قلق السلطات الألمانية، وفق المصدر ذاته.
بدورها، لفتت صحيفة "نويه زوريشر" إلى أن نائب حركة "ديتيب" في ألمانيا، هو أحمد ديليك، الذي كان يخدم كملحق دبلوماسي في قنصلية تركيا في ألمانيا، وكان مسؤولا بشكل شخصي عن جمع المعلومات عن معارضي أردوغان وكتابة تقارير لسلطات الأمن في أنقرة عنهم.
وبصفة عامة، لم تكن "ديتيب" تمارس كل هذه الأنشطة المشبوهة قبل وصول أردوغان للسلطة؛ فالحركة المؤسسة عام 1984 كجزء من المؤسسة الدينية التركية، كانت تمارس أنشطة اعتيادية، ولم تختلق أي مشاكل مع الدولة الألمانية، انطلاقا من أنها كانت تعمل في إطار الدولة الكمالية التي كانت مؤسسة على أساس القومية التركية لكن معتدلة دينيا.
وفي الوقت الحالي، تنشر المساجد والمؤسسات التابعة لـ"دتيب"، رؤية للإسلام معادية للغرب تماما، ولا تشجع أتباعها ورواد مساجدها على الاندماج، بل تشجع على قيام المجتمعات الموازية، حسب الصحيفة ذاتها التي لفتت إلى أن أئمة الحركة لا يتحدثون الألمانية ولا يعرفون أي شيء عن قواعد المجتمع الألماني.
وفي تصريحات لـ"العين الاخبارية"، قال الخبير النمساوي في شؤون الإخوان روديجر لولكر: "إن مصادر تمويل الإخوان وديتيب واحدة، ويعتمدان بالأساس على أموال تركية وبعض الأموال القطرية".
وتابع: "ديتيب والإخوان ضلعان في شبكة مشبوهة تضم أيضا منظمات إرهابية مثل داعش"، مضيفا: "أردوغان يستخدم هذه الشبكة كذراع طولى لتهديد أوروبا وتحقيق مصالحه ونشر أفكاره في المجتمعات المسلمة في القارة العجوز".
ولفت إلى أن الإخوان تعمل حاليا في ألمانيا تحت مظلة "ديتيب"، والمجلس التنسيقي الذي أعلن عن تشكيله في يناير/كانون الثاني الماضي، ما هو إلا واجهة لهذه العلاقة.