كرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الوعيد الذي لم يتخلَّ عنه منذ عملية "نبع السلام" عام 2019،
قائلاً: "سنجتثّ الإرهابيين من مناطق تل رفعت، ومنبج، وعين العرب واحدة تلو الأخرى"، وقال عن العملية البرية: "سننقضّ على الإرهابيين برًّا أيضًا في الوقت الذي نراه مناسبًا".
ولكن ماذا يقصد أردوغان بـ"الوقت المناسب"؟ يقصد تهيئة الظروف طبعًا. وليست هذه الظروف سوى الضوء الأخضر من روسيا وأمريكا.
في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وقّعت تركيا تفاهمين مع الولايات المتحدة وروسيا أوقفت بموجبهما عملية "نبع السلام" العسكرية التي استهدفت وحدات حماية الشعب الكردي شمالي شرقي سوريا. وفي مايو/أيار من العام الماضي، عاد أردوغان ليتعهد مرة أخرى بشن عملية عسكرية جديدة ضد القوات الكردية في منبج وتل رفعت، ولكنها لم تتم أيضًا بسبب الرفض من الولايات المتحدة وروسيا وإيران والاتحاد الأوروبي لها.
ولكن بعد التفجير الإرهابي الذي وقع قبل أسبوعين تقريبًا في شارع الاستقلال وسط مدينة إسطنبول، الذي أودى بحياة 6 أشخاص وأكثر من 80 جريحًا من المدنيين، أطلقت تركيا مباشرة عملية المخلب-السيف للقضاء على حزب العمال الكردستاني والوحدات الكردية في شمال سوريا والعراق.
ومن الملفت للنظر أنه إثر التصريحات التركية الحادة وإطلاق العملية الجوية على شمال سوريا، لم تتخذ الولايات المتحدة وروسيا -هذه المرة- موقفًا حازمًا ضد الموقف التركي الواعد بالانتقام. روسيا خفضتْ من نبرة صوتها بسبب اتفاقها مع تركيا المرتبط بحرب أوكرانيا. وأيضًا غضّتْ الطرف عن الضغوطات التركية، لعدم تخلي الأكراد عن الشراكة مع الولايات المتحدة. ولكن رغم ذلك، ظلت تحذّر كلٌّ من الولايات المتحد وروسيا من العملية الجوية، وتطلب إنهاءها وعدم تحويلها إلى عملية برية.
ولكن هل تستطيع تركيا إطلاق عملية برية على شمال سوريا؟ يرى الرئيس المشارك لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي "صالح مسلم محمد"، أن تركيا لا يمكنها شن عملية برية دون موافقة الولايات المتحدة وروسيا. كما يرى القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية "مظلوم عبدي" أيضًا، أن تركيا لن تشن هجومًا بريًّا ما لم تحصل على إذن من الولايات المتحدة وروسيا، وأشار إلى ذلك في مقابلة صفحية مع "المونيتور" قائلاً: "نحن نأخذ هذه التهديدات على محمل الجد. ما لم يكن هناك جهدٌ جاد لردع تركيا -خاصة من جانب الولايات المتحدة وروسيا- فإنها ستنفذ تهديداتها". إنه يرى أن تحذيرات الولايات المتحدة وروسيا لم تكن رادعة بالقدر الكافي. ومع ذلك فإنه يعتقد أن تركيا لن تشن هجومًا بريًّا ما لم تحصل على إذن منهما، يقول: "ما لم يتم منح تركيا مثل هذا الإذن، لن تقوم بشن هجومٍ بري. إذا حصل هجوم بري فسيكون بسبب منح هذا الإذن أو لأن روسيا والولايات المتحدة اختارتا الصمت". كما أشار "مظلوم عبدي" إلى أن الأمريكيين "قالوا إنهم ليسوا موافقين على أي إجراء من هذا القبيل من جانب تركيا وأنهم سيعارضونه". وهذا الغموض بطبيعة الحال، يجعل الأكراد يغدون ويروحون بين الأمل والخوف بشكل مستمر حتى هذه اللحظة.
ولكن يبدو أن تركيا تقوم بتهيئة الأجواء والظروف للعملية العسكرية البرية. إذ صرح أردوغان قبل يومين بعد اجتماع مجلس الوزراء، أنهم "ليسو بحاجة لإذنِ أحد... وبالتهديدات الفارغة لن يتمكن أحد من إجبار تركيا على مواقف تتعارض مع مصالحها الشخصية في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية... وينبغي ألا ينزعج أحد من العمليات العسكرية التركية الهادفة إلى توسيع دائرة الأمن والسلام".
هذه التصريحات الحادة من جانب، ومن جانب آخر قيام القوات التركية بقصف القواعد أو مواقع التدريب الذي تهدف من خلاله إلى تصعيب البقاء لوحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية على بُعد 30 كيلومترًا من الحدود، وكذلك إلى تهجير سكان قرى ومناطق سكنية من خلال إطلاق النار عليها، وبالتالي قصف مرافق البنية التحتية الذي يعرِّض الحياة اليومية والخدمات الاجتماعية إلى تعقيد، وغيرها من الحملات على الجبهة الكردية، شاهدٌ على أن تركيا مقبلة على عملية عسكرية برية في شمال سوريا.
وأيضًا أحد أهداف تركيا من مواصلة القصف الجوي على مناطق مختارة شمالي سوريا والعراق، هو إنشاء شريط آمن يمتد من عفرين إلى موقع قنديل في العراق. ومن خلال توسيع الهدف نحو الخطوط اللوجستية الأمريكية ومدّه على بُعد 500 متر من المقر المشترك مع قوات سوريا الديمقراطية، ربما يتيح إظهار هشاشة الحماية الأمريكية للأكراد. لا سيما وإن الرأي السائد بين الأكراد، راح يميل إلى أن الولايات المتحدة لم تعد توفر لهم الأمن والأمان. طبعًا انفصال الأكراد عن الولايات المتحدة سيخدم في نهاية المطاف مصالح روسيا ويحقق ما كانت تطمح إليه منذ البداية. ولكن إذا فقد الأكراد أملهم بالولايات المتحدة وانفصلوا عنها، ألا يدفعهم ذلك إلى التقارب مع النظام السوري وعقد صلح مع بشار الأسد؟ وإذا حصل ذلك، فهل سيخدم التقارب بين الأكراد وبشار الأسد المصالح التركية؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة