هناك سمة مشتركة بين جميع الجماعات الإرهابية، وهي قدرتها على التكيّف مع الظروف
وذلك بفضل عنصر مهم جدا وهو استمرار التدفقات المالية "الخفية" لجميع أوصالها، وهذا ما يجعلنا مطمئنين إلى الاستنتاج بأنه على الرغم من أن المسار العسكري مفيد جداً لمكافحة الإرهاب، إلا أن قطع مصادر تمويل الإرهاب لا يزال أهم سلاح للقضاء عليه.
ولفهم خورازميات هذا السلاح الأقوى في مكافحة الإرهاب، علينا فهم بعض آليات التمويل الغير مرصوده للجماعات الإرهابية، حيث إنه قبل سنوات عديدة، كانت هذه الجماعات تموّل نفسها بفضل أتباعها والمنظمات الموازية المتعاونة معها للتحايل على القوانين. ومع انخفاض قدراتهم التمويلية، اتضح للإرهابيين أن الشكل الجديد للتمويل يجب أن يقوم على الابتزاز وتهريب المخدرات والسيطرة على مناجم الاستخراج التقليدي للمعادن والتحكم في طرق الهجرة. ولتحويل الفوائد المالية التي يتم الحصول عليها بطرق غير قانونية، يتعين عليهم اللجوء إلى الأنظمة المالية المشروعة.
وقد انتبهت العديد من دول غرب أفريقيا إلى أهمية سلاح تجفيف المنابع المالية الخفية للجماعات الإرهابية، وبدأت التحرك بالفعل وخاصة بعد أن تم الكشف عن العديد من آليات التمويل الجديدة الخفية الغير مشروعة، وخاصة بعد تلقي تحذير من وكالة الاستخبارات المالية للسوق المشتركة لغرب إفريقيا في أوائل عام 2002. وفي هذا السياق برزت جهود نيجيريا التي شرعت في اتخاذ إجراءات عقابية ورادعة لتجفيف المنابع المالية للإرهابيين شملت مصادرة أصول بعض مموليهم وشركائهم.
منذ فبراير/ شباط الماضي، اكتشفت نيجيريا 123 شركة و33 محل صرافة مرتبطاً بالإرهاب، وحتى الآن، حددت السلطات هناك، 96 ممولاً للإرهاب، بالإضافة إلى 424 عضواً أو متعاوناً مع شبكات التمويل، حيث ستتم مصادرة أصولهم بمجرد الانتهاء من الإجراءات القانونية الواجبة.
وبعد عشرة أشهر، نشرت الحكومة النيجيرية قائمة الجماعات التي شملتها العقوبات، وهي: جماعة السكان الأصليين في بيافرا (إيبوب)، بوكو حرام، فرع داعش في غرب إفريقيا، أنصار المسلمين في بلاد السودان، الجماعتان الإرهابيان يان بنديجا ويان تادا. ووفقاً للتوقعات، سيتم تطبيق حظر السفر وتجميد الأموال ومصادرة الأصول والمصالح الاقتصادية الأخرى للأفراد والكيانات المستهدفة.
وفي شرق إفريقيا، أفادت الأمم المتحدة أن حركة "الشباب" زادت مؤخراً من دخلها من خلال الأتاوات والضرائب غير القانونية. وتصل نفقات الجماعة إلى مليون دولار، وهي تكاليف تحتاجها كل شهر لدفع رواتب الإرهابيين. وأفاد عبد السلام جوليد، النائب السابق لرئيس المخابرات الصومالية، مؤخراً أن "الشباب" تقوم أيضاً بتحصيل الضرائب في كل من العاصمة وميناء مقديشو.
من جانبها، عاقبت وزارة الخزانة الأمريكية مؤخراً عدة أفراد صوماليين عملوا كميسرين ماليين ومهربي أسلحة لحركتي "الشباب"، و"داعش" في الصومال. ومن المفارقات أن "القاعدة" و"داعش" تتعاونان في الصومال، حيث تضع الجماعتان الإرهابيتان خلافاتهما جانباً كلما كانت هناك أموال يمكن جنيها.
ومن بين الأفراد الخاضعين للعقوبات، يمكن العثور على أعضاء سابقين في حركة "الشباب"، وهم الآن رجال أعمال مرتبطون بداعش في الصومال ينشطون في مجال تهريب الأسلحة إلى اليمن والصومال، وهي أسلحة واردة من إيران إلى كلا التنظيمين الإرهابيين، على الرغم من وجود حالة أخرى لعضو في "داعش" في الصومال كان يشتري أسلحة من "القاعدة" في اليمن لبيعها لقراصنة صوماليين.
ويُعرف عن الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، كونه على دراية كبيرة بخصوصيات الإرهابيين في الصومال، وهو يعمل بالفعل للقضاء على هذه الآفة، واعداً بقطع مصادر تمويل حركة "الشباب" الإرهابية. وأكد الرئيس الصومالي أن الإسلام بريء من الإرهاب وهو آفة لا يمكن تبريرها، وهو مُصرّ على القضاء النهائي على هذه الظاهرة في بلاده.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة