تتواصل التصريحات التركية الداعية إلى فتح صفحة جديدة بين أنقرة ودمشق،
إذ أبدى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رغبته مرارا في لقاء نظيره السوري، بشار الأسد، مؤكدا وجود إمكانية لإعادة الأمور إلى نصابها في العلاقات بين البلدين مثلما جرى مع مصر، منطلقا من قاعدة تستخدم بكثرة في العلاقات بين الدول، تلك القاعدة التي تقول: لا خصومة دائمة في السياسة.
الحديث التركي عن الاستعداد للمصالحة مع دمشق، يأتي على وقع جملة من التطورات والمتغيرات، أهمها التحولات التي تشهدها السياسة الخارجية التركية تجاه العالم العربي، وهي تحولات تمثلت في تحسين العلاقات التركية مع السعودية والإمارات وإسرائيل ومصر، ولعل الحديث التركي عن المصالحة مع دمشق يأخذ شكل استكمال هذا المسار، بعد سنوات من دعم تركيا لجماعات الإخوان المسلمين في العالم العربي، قبل أن تراجع سياستها هذه على وقع الهزائم التي تعرضت لها هذه الجماعات التي عاثت خرابا في عدد من دول المنطقة. كذلك من العوامل البارزة التي تدفع بأنقرة إلى التقارب والمصالحة مع دمشق، تحول الملف السوري إلى مادة للسجال الداخلي التركي، بين الحكومة والمعارضة، حيث تحمل المعارضة حكومة العدالة والتنمية مسؤولية الأعباء والتحديات الناجمة عن وجود قرابة أربعة ملايين لاجئ سوري في تركيا، وعبرت مرارا عن استعدادها للذهاب إلى دمشق إذا فازت في الانتخابات المقبلة لحل كافة الخلافات معها، وقد أدرك أردوغان أهمية هذا الملف، ودوره في المعركة الانتخابية المقبلة، وعليه ذهب أبعد من المعارضة في رفع راية المصالحة مع دمشق، عندما بدأ يخلق وقائع جديدة في واقع العلاقة الجغرافية بين البلدين على شكل تقاطعات حيوية في المصالح المشتركة بينهما، لعل من أهم هذه المعطيات، اطلاق عملية عسكرية جوية ضد قوات سوريا الديمقراطية ( قسد )، والتهديد بعملية برية لإبعاد هذه القوات عن المناطق الحدودية مع تركيا، وسط طرح تركي لمعادلة هي في غاية الأهمية للحكومة السورية، وهي معادلة قبول أنقرة بانتشار الجيش السوري في المناطق التي تسيطر عليها قسد حتى توقف عمليتها العسكرية، وهي معادلة مغرية للحكومة السورية، لا أن المناطق التي تسيطر عليها قسد لها أهمية كبيرة من الجوانب الاقتصادية المختلفة، بل لأنها ترى في ذلك بداية النهاية لما تصفه بالمشروع الانفصالي الكردي المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، في وقت ترفض تركيا أي حالة كيانية كردية سياسية على حدودها.
رغم كل ما سبق تلتزم دمشق الصمت إزاء الاندفاع التركي نحوها، وهو صمت يفسر بجملة من الأسباب، أهمها، الحديث حول عدم وصول المحادثات الأمنية بين الجانبين إلى درجة إمكانية تحقيق المصالحة، نظرا لحجم الخلافات بينهما، بسبب التداعيات التي خلفتها السياسة التركية تجاه الأزمة السورية خلال العقد الماضي، خاصة في ظل استمرار الدعم التركي للجماعات السورية المسلحة، وكذلك لعدم ثقة دمشق بالخطوات التركية حتى الآن، خاصة أن الحديث التركي عن نشر القوات السورية مكان المناطق التي تسيطر عليها قسد لا تقابله موافقة تركية مماثلة بخصوص المناطق التي تسيطر عليها هذه الجماعات، لاسيما جبهة النصرة المصنفة في لائحة الإرهاب، كما أن دمشق تراهن إلى حد كبير على الدور الروسي في التوصل إلى تفاهم مع قسد على كيفية تحديد رسم الملامح المستقبلية في شرقي سوريا، خاصة أن هذه القضية هي قضية سورية داخلية، وأنه لا ضمانة حقيقية بخروج القوات التركية لاحقا من هذه المنطقة إذا دخلت إليها عبر عملية عسكرية، والأهم ربما ثمة قناعة لدى دمشق بضرورة انتظار معرفة من سيحكم تركيا بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقبلة، وعليه كل هذه العوامل والأسباب تفسر أسباب التريث السوري في التعاطي مع المسعى التركي للمصالحة معها رغم كل الحديث عن ترتيبات أمنية تجري بين الطرفين كي تكون المصالحة ممكنة وقابلة للاستمرار بعد كل ما حصل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة