بعد تقاربها مع مصر.. هل تصعد تركيا اتهاماتها للإخوان بالتعاون مع داعش؟
لم يفق الإخوان من "قمة المونديال" المفاجئة بين الرئيسين التركي والمصري، حتى وجه إليهم نائب وزير الثقافة التركي سردار جام صفعة جديدة.
صفعة تمثلت في اتهام الإخوان بالعمل مع الجماعات الإرهابية والمتطرفة وتسللهم إلى صفوفها، خاصة تنظيم داعش الإرهابي.
ومؤخرًا أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدء مسار جديد مع مصر وتعاون يبدأ من الوزراء وينتهي بتطبيع علاقات كاملة، وكل هذا طرح ملف الإخوان للواجهة مرة أخرى، ليصبح السؤال الأبرز الآن: هل ستتخلى تركيا عن الإخوان وتسليم المطلوبين منهم لمصر عبر تصعيد انتقاداتها لاتهام بالإرهاب؟
انتقادات حملها مسؤول حكومي كانت مقصودة، فهل ستكتفي بها أم أن تركيا ربما تكون مقدمة على كشف العديد من الحقائق التي تخص ارتباط تنظيم داعش والإخوان ليس فقط على المستوى الفكري بل إلى البنية الهيكلية ذاتها؟
كل ذلك فجر العديد من الأسئلة هل تسلل الإخوان إلى داعش؟ أم تسللت داعش إلى الإخوان؟ وهل العلاقة بينهما مجرد انتماء لفكرة واحدة أم تخطت للبناء التنظيمي؟ وهل الارتباط بينهما مجرد توظيف نفعي برجماتي، حيث تقوم داعش بالتهديد ويجني الإخوان تلك الثمرة؟ أم هل رفعت الفواصل والحدود التنظيمية والفكرية وأصبح الجميع في خندق واحد؟
أول تنظيم سري
بدءًا من العام 1938، تبنت جماعة الإخوان الإرهابية العنف المسلح طريقا، بتأسيس أول تنظيم سري مسلح يهدف للوصول للسلطة عبر عمليات اغتيال وتهديد للسياسيين واعتداءات على المؤسسات الشرطية والقضائية مع تفجير للمرافق الحيوية للدولة للضغط على المعنيين لقبول أطروحات الجماعة أو للإفساح لهم لتنفيذ مخططاتهم.
استمر عمل تنظيم الإخوان كجزء بنيوي في الهيكل التنظيمي للجماعة، إضافة لكونه وكركيزة فكرية أساسية في الإطار الأيديولوجي المحرك للجماعة، حتى عام ١٩٦٥ أثناء الصدام مع أجهزة الدولة المصرية.
كان طبيعيا أن تُمنى الإخوان بهزيمة ساحة كادت تنهي مسيراتها، هنا تفتق ذهن قادة الجماعة بضرورة التخلي عن العمل المسلح علنًا مما يستدعي التوقف عن أن يكون لقائد التنظيم المسلح مقعد في مكتب الإرشاد وباقي الهياكل التنظيمية مع البقاء على الفكرة ضمن أدبيات الإخوان ومناهج التربية.
ظلت الجماعة من السبعينيات وحتى أحداث يناير/كانون الثاني ٢٠١١ أي فيما يقرب من 40 عامًا في دور وظيفي محدد، وهو الدعاية والمساندة والتبرير لكل الجماعات المسلحة التي خرجت من تنظيمها وفضلت العمل بشكل مستقل.
وعندما وقعت أحداث يناير/كانون الثاني، وما يسمى بالربيع العربي ظهرت قوة الإخوان الفكرية القادرة على الحشد نحو العمل المسلح وكأنهم لم يغادروا الفكرة على الإطلاق، وميلهم للعمل المسلح المباشر والمعتمد على عناصرهم.
انشغل الإخوان ببناء قدراتهم القتالية والإرهابية، ولم يكونوا في حاجة لإطار فكري يرسم لهم الطريق فهو موجود من البداية لكنهم كانوا في حاجة لمن يدرب عناصرهم، فتواصلوا مع التنظيمات المسلحة لهذه المهمة، ومنها داعش، ورصدت السلطات المصرية اتصالات بين الرئيس الراحل محمد مرسي وأيمن الظواهري والعديد من القيادات التكفيرية المتشددة.
ونظرًا لضيق الوقت وسرعة انفضاض الشعب عنهم في ثورة 30 يونيو/حزيران 2013، وتعجلهم العودة للسلطة بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة ظهرت قدرات تشكيلات الإخوان الإرهابية محدودة بالمقارنة بمن تعاونوا معهم.
تعاليم البنا
حول العلاقة المضطربة بين الإخوان وداعش، يرى القيادي الإخواني السابق طارق البشبيشي، أن الجماعة والتنظيم "وجهان لعملة الإرهاب والتطرف والماضوية"، فإذا كانت الجماعة تمثل البداية والإطار الفكري فالتنظيم يمثل النهاية والتطبيق العملي.
وأكد البشبيشي لـ"العين الإخبارية" أن "ما قام به داعش من سلوكيات إجرامية أثناء إقامته لما يسمى دولة الخلافة هو التطبيق الحرفي والعملي لتعاليم حسن البنا".
ومضى في تحليله: "هذه الأعمال تتشابه إلى حد التطابق مع أعمال العنف والتفجير وترويع الشعب المصري، التي قامت بها الجماعة بعد عزلِ الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي عام 2013".
واستكمل حديثه بالقول: "إن علاقة الإخوان بكل التنظيمات المتطرفة والإرهابية قائمة على التوظيف لصالح الجماعة حتى لو بدا أنهما مختلفان أو أن داعش تكفر الإخوان فهذا ليس دقيقًا لأنهم جميعا ينتمون لنفس المدرسة ويؤمنون بذات الأفكار".
وحول إذا ما كانت داعش تسللت إلى صفوف قيادة الإخوان، لا يستبعد البشبيشي هذا الاحتمال، "لكنه يرى أن الأكثر منطقية هو تسلل الإخوان لصفوف داعش وتوجيه التنظيم لخدمة الإخوان".
وتابع: "من المؤكد أن العديد من شباب الإخوان سافوا إلى سوريا والتحقوا بداعش وبالنصرة، وأن قرابة 200 إخواني انضموا لداعش منذ 2013، وأن نداء الكنانة والعقاب الثوري وحسم وأجناد مصر ولواء الثورة كلها حركات إرهابية نسقت مع تنظيم داعش، رغم أن أقاربهم زعموا أنهم مختفون قسريًا وأن الشرطة تحتجزهم وقدموا بالغات كاذبة ضد السلطات المصرية".
وأضاف: "ثم ظهرت الحقيقة وأنهم ضمن قتلى العمليات الإرهابية هناك منهم نجل إبراهيم الديب القيادي الإخواني، وكذلك نجل القيادي التاريخي حسن الجمل، وكذلك دور أمل ابنة عبد الفتاح إسماعيل رفيق سيد قطب في التنظيم الإرهابي عام 1965 في خلق قناة اتصال بين داعش في سيناء وبين قيادات الإخوان في القاهرة".
حرب أهلية
القيادي الإخواني السابق طارق البشبيشي أكد كذلك أن فتح قنوات اتصال بين الإخوان وداعش "لم يكن خروجًا عن الجماعة بقدر ما هو دور متفق عليه، فشباب الإخوان سيتلقون التدريبات اللازمة والخبرات القتالية المناسبة لنقلها إلى الجماعة ضمن مخطط استهداف الدولة المصرية والغرق في مستنقع الحرب الأهلية".
ومن ناحية أخرى - يقول البشبيشي - يمكن للإخوان التسلل لمناصب قيادية لنقل المعلومات عن داعش أو النصرة أو القاعدة إلى الجماعة لاستغلالها بالطريقة التي تناسبهم لكن الإخوان ستظل حريصة على ألا ينتمي إليها في التنظيم العالمي والمحلي المصري أي داعشي حتى يمكنها ادعاء السلمية والتنصل من العمليات الإرهابية في وقت لاحق وحتى لا تضع مموليها في حرج دولي".
فيما يرى الكاتب والباحث في الإسلام السياسي هشام النجار، أن التعاون بين الإخوان وغيرها من التنظيمات قائم بالفعل لكن من الصعب تسلل قيادات داعشية إلى الجماعة في التنظيم المصري أو العالمي.
وأضاف النجار لـ"العين الإخبارية": "قد يكون من المحتمل أن يتسلل بعض العناصر الداعشية أو القاعدية في بعض الأفرع الإخوانية بالمناطق المشتعلة مثل اليمن وسوريا وليبيا".
وأكد وجود تعاون تام بين داعش والإخوان، فهم كانوا حلقة الوصل الأولى لتجنيد المسلحين على سبيل المثال من داخل أوروبا وأفريقيا، وتسهيل سفرهم إلى أماكن تمركز داعش أو النصرة.
ففي ليبيا مكنت مليشياتهم بعض فصائل داعش في صبراتة والزاوية من التمركز والسيطرة على الغرب الليبي، إضافة إلى ما تم تسريبه من أقوال لـ"فوزي العياط" مفتي داعش في ليبيا عام 2018 عندما أكد قيام الإخوان بتقديم التسهيلات للجماعة الليبية المقاتلة لوصولهم إلى سرت، وفقًا للمحلل المصري.
ومضى في حديثه: "أما في اليمن فيقوم الإخوان بتوفير الغطاء لتنظيم القاعدة لتنفيذ عملياتهم الإرهابية وعلى وجه الخصوص التي تستهدف قوات الحزام الأمني".
الموقف التركي
وعن احتمال تصعيد تركيا اتهاماتها للإخوان إلى أبعد من مجرد الانتقادات، استبعد النجار أن تتوسع أنقرة في اتهام الإخوان بأكثر من ذلك في الوقت الرهان.
وهنا يقول المحلل السياسي المصري: "التصريحات التركية كان مقصودا منها إيجاد مبرر أخلاقي لتخلي أردوغان عن الإخوان في هذه المرحلة، ثم إن تصعيد الاتهامات سيأتي بنتائج عكسية على حزب العدالة والتنمية الحاكم حاليًا".
ولفت إلى أن الحزب الحاكم في تركيا يسعى للمصالحة مع الدولة المصرية من أجل بعض المكاسب السياسية، موضحا أن تطوير الانتقادات إلى اتهامات سيرتد عليهم سلبًا.
لكنه يتوقع المزيد من التضييق على الإخوان في تركيا وتسليم بعضهم، فما حدث في قطر لم يكن عفوياً ولا مجرد مصافحة عابرة حسب تصريح النجار، بل جاء بعد مباحثات مكثفة بين الطرفين.
واختتم حديثه قائلا: "إذا أضفنا تصريح الرئيس التركي أن لقاءه بالرئيس المصري استغرق أكثر من 45 دقيقة يفسر بأن اللقاء كان حميميًا وإيجابياً، ولن تضحي أنقرة بالمكاسب الإقليمية من أجل جماعة فاشلة وخاسرة ومنقسمة على ذاتها وفقدت صلاحيتها للقيام بدورها الوظيفي في المنطقة".