"برخان" الفرنسية وأمن الساحل.. هل تنتقل مكافحة الإرهاب للخط الثاني؟
إعلان فرنسي رسمي مرتقب لانتهاء عملية "برخان" بالساحل الأفريقي يجدد الجدل حول مستقبل مكافحة الإرهاب في منطقة تطوقها المخاطر والتحديات.
إعلان رسمي متوقع في وقت لاحق من اليوم الأربعاء، يأتي بعد نحو ثلاثة أشهر من انسحاب قوات بالعملية العسكرية من مالي، وينتظر أن يضبط ملامح الوجود الفرنسي في الساحل الأفريقي.
وأمس الثلاثاء، قالت الرئاسة الفرنسية (الإليزيه) إن الرئيس إيمانويل ماكرون سيعلن الأربعاء رسميا انتهاء عملية برخان لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل.
وأضافت أن ماكرون الذي زار، أمس، مدينة تولون، سيلقي خطابا سيشكل "فرصة للإعلان رسميًا عن انتهاء عملية برخان وتكييف كبير لقواعدنا في أفريقيا".
تداعيات!
ويرى خبراء فرنسيون أن الإعلان لن تكون له تداعيات على القوة العسكرية لباريس في الساحل الأفريقي، ذلك أنه لا يزال هناك نحو 3 آلاف جندي فرنسي منتشرين في النيجر وتشاد وبوركينا فاسو.
وفي ذروة انتشارها بالمنطقة، ضمت القوة 5 آلاف و500 جندي، غير أن باريس اضطرت لتعديلها بخفض عدد العسكريين بصفوفها، إما بقرار منها، وإما اضطراريا عقب توتر العلاقة مع المجلس العسكري الحاكم بالبلد الأفريقي.
توتر فاقم بمرور الوقت والمراكمة الحيثيات، ما أجبر الجيش الفرنسي على الانسحاب نهائيا من مالي، منتصف أغسطس/ آب الماضي، بعد حملة مطولة لمكافحة الإرهاب استمرت تسع سنوات كاملة.
لكن انسحابها من مالي لا يعني خروجها نهائيا من المنطقة، حيث لا تزال باريس تحافط على قوات لها في كل من النيجر وبوركينا فاسو في إطار استمرار جهودها للتصدي للجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي القاعدة أو داعش التي توسعت أنشطتها تدريجيا إلى دول خليج غينيا.
وفي رد استباقي حول التداعيات المحتملة للإعلان، أكد الإليزيه أن المبدأ هو "الحد من تعرض قواتنا العسكرية في أفريقيا وظهورها والتركيز على التعاون والدعم (...) بشكل أساسي من حيث المعدات والتدريب والاستخبارات عندما ترغب الدول بذلك".
وتابع: "ما زلنا نؤمن التغطية والحماية والدعم والتدريب لجنودنا في ظروف مرضية"، لكن الإعلان الرسمي "ضروري محليا".
ضرورة محلية تدرك باريس أنها تفرض نواميس جديدة في التعامل مع رأي عام أفريقي تزداد عدائيته تدريجيا، وتجلى من خلال المظاهرات المناهضة للوجود الفرنسي في كل من مالي وبوركينا فاسو.
الإليزيه لم يغفل أيضا تمرير رسائل عدة عبر سطور بيانه، بينها أن نهاية العملية العسكرية لا يعني تخلي فرنسا عن بلدان الساحل ومكافحة الإرهاب، وهذا ما تجلى بالخصوص من خلال إبداء رغبتها، قبل أشهر، في بدء محادثات مع الدول الأفريقية حول هذا الملف.
وسبق أن كشف تقرير لمعهد الأبحاث الاستراتيجية التابع لوزارة الدفاع الفرنسية عن "انتشار محتوى التضليل عبر الإنترنت في مالي، والذي غالبا ما يهدف إلى تشويه سمعة الوجود الفرنسي وتبرير وجود روسيا".
كما أشار إلى انتقال العدوى إلى بوركينا فاسو المجاورة، ما يدفع محللين لترجيح طرح أن باريس تغير استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب في الساحل عبر التحرك بعيدا عن الأضواء، ونقل نقطة ارتكاز استراتيجيتها الأمنية بالمنطقة من مالي إلى النيجر.
برخان
إعلان رسمي مرتقب سبق أن قرره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 17 فبراير/ شباط الماضي، يضع نهاية لتدخل عسكري فرنسي في مالي استمر نحو 10 سنوات.
وفي يناير/ كانون الثاني 2013، أطلقت فرنسا عملية "سيرفال" بهدف وقف تقدم التنظيمات الإرهابية نحو جنوب مالي ودعم القوات المالية، ونجحت في طرد جزء كبير من الجماعات المسلحة من شمالي البلاد.
وفي أغسطس/ آب 2014، تسلمت عملية "برخان" المشعل، لتقود جهود دول الساحل الخمس (موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد)، لكن لهيب التوتر بين باريس والمجلس العسكري الحاكم في مالي، سرّع وتيرة الانسحاب.
وحينها، قلصت فرنسا وجودها في الساحل إلى النصف وأبقت على ألفين و300 جندي فقط في المنطقة، وبإنهاء عملية برخان، قد تكتفي باريس بتقديم الدعم لدول غرب أفريقيا، ولكن في الخط الثاني.
ففي النيجر، الشريك المميز الجديد لباريس، سيحتفظ الفرنسيون بأكثر من ألف رجل وقدرات جوية ضمن المساعي لعدم خلق ثغرات في جدار استراتيجيتهم الأمنية بمنطقة مثقلة بالتحديات.