من يفحص أسماء تنظيمات الإرهاب الناشطة، التي تُدرجها الدول بقوائم الإرهاب، سيرى فيها تنوعًا يتعدّى اختلافا أيديولوجيا ودرجة نجاح وتكيف.
سواء نجاح في تحقيق أهداف التنظيمات استراتيجيا على المدى الطويل، أو أهداف قصيرة المدى، و"تباين" عمرها الافتراضي، بين جماعات لا تزال في مهد طفولتها وسنواتها الأولى، وأخرى تقترب من مئويتها الأولى كتنظيم الإخوان الإرهابي.
واقعيا، يصعب قياس درجة نجاح التنظيمات الإرهابية لاعتبارات عديدة، فهل يُقاس نجاحها بتحقيقها أهدافها الرئيسية بالوصول إلى السلطة؟ أم يُقاس بتحقيقها أهدافها الثانوية باستقطاب الأتباع أو تحقيقها تسويات سياسية؟
أم بتحقيقها لأهداف معنوية كالهجمات الانتقامية وانتشار دعاياتها التخريبية؟ أم أن نجاحها يُقاس على المستوى التنظيمي بقدرتها على التكيف والتمدد والبقاء مقارنة بالتنظيمات الإرهابية الأخرى؟
تاريخيا، التنظيمات الإرهابية، التي حققت أهدافها الاستراتيجية، معدودة على الأصابع، ونجاحها/بقاؤها كان مرتبطًا بعوامل أهم من لجوئها إلى العنف كوسيلة لتحقيق مآربها، لذلك يهتم الباحثون في مجال مكافحة الإرهاب بقدرات هذه التنظيمات على ما يسمى "النجاح" في المستوى القصير والمتوسط، باعتباره الأساس الذي عليه "تفصّل" استراتيجيات مكافحة الإرهاب.
وبالرغم من أن اللجوء للإرهاب والعنف يعتبر "أقصر طريق" لفشل التنظيمات الإرهابية على المستوى الاستراتيجي، فإن واقعَنا اليوم يزخر بالعديد من التنظيمات الإرهابية التي تمكنت من تحقيق تقدم جزئي، وكانت أهم مقومات هذا التقدم تطويرها وسائل تمويل جديدة، ورعاية الدول التي تدعم الإرهاب، أو تطوير وسائل تجنيد واستقطاب عناصر جديدة، ونشر دعاياتها في ظل هيكلية تنظيمية تتكيف مع الضغوطات الأمنية التي تواجهها.
إحدى أهم سبل تكيف التنظيمات الإرهابية اليوم هو دخولها دائرة "الحراك" الإرهابي بديلا عن جمود وهيكلية المجموعة، فجماعات الإسلام السياسي اليوم كـ"حراك" أخطر من تنظيماتها المركزية وأحزابها، كذلك حال جماعات اليمين المتطرف في الغرب، والتي بدأت تأخذ هذا الشكل الهُلامي اللا مركزي، حيث لا توجد عضوية محددة لأتباعها تحدد واجباتهم ومسؤولياتهم ومكانهم، أو حتى في الهيكل التنظيمي للكيان المتطرف، وإنما يتم الاكتفاء بمجموعة معتقدات وأفكار كإطار عام ومظلة تجمع أفرادًا ومجموعاتٍ صغيرة متفرقة يطغى فيها التفكير الجمعي على الفردي، وبه يكتفي التنظيم الإرهابي بالإلهام، لا بالتوجيه والقيادة.
تكيُّف التنظيمات الإرهابية وتطورها يزيد من خطورة التحديات على الأجهزة الأمنية ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بالمُناصحة ومواجهة الخطاب المتطرف، ويدفعها للوصول إلى استراتيجيات أكثر تكاملًا وفاعلية في معركتها ضد الإرهاب، العدو الشرس الذي أصبح أكثر براجماتية من نُسخه السابقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة