الانقسام الحاد في المجتمع الأمريكي يجعل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2024 كابوسًا لا مخرج منه.
وهو كابوس يتألف من حزمة كوابيس أخرى، بدأت تعتمل عناصرها منذ الآن، لتدوم سنتين مقبلتين، ولا أحد يعلم كيف سيكون مُنقلبُها بعد ذلك، أو ما إذا كانت سوف تتحول إلى كوابيس بلا مواعيد نهاية.
انتخابات عام 2020 لم تنتهِ أصلا. رفضُ الرئيس السابق دونالد ترامب نتائج الانتخابات جعل منها مفتوحةً للسجال. وحيثما يُعد "القبولُ بالنتائج" ركنًا رئيسيا من أركان الديمقراطية، فقد تهدَّم هذا الركن، وما يزال من الممكن أن يتهدم أكثر، بتحوُّل "رفض النتائج" إلى قاعدة تزدادُ عرضا في أوساط كل مَنْ يخسر.
أصل السبب يعود إلى التصويت المبكر، والتصويت عبر البريد، الذي بدأ منه الجدل. وحيث إنه لا غنى عن هذين السبيلين، فإن الشكوك فيهما سوف تظل توفر أرضيةً تضعُ القواعدَ الديمقراطية تحت تهديد متواصل.
هذا كابوس أول.
ومع اعتزام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الإعلان عن ترشحه لانتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2024، تكون الولايات المتحدة على أبواب أطول حملة انتخابية في تاريخها.. ولكنها الأكثر شراسة أيضًا، لأنها تعكس انقساما، ليس بين جمهوريين وديمقراطيين على سياسات بعينها، وإنما انقسام اجتماعي حاد حيال قضايا أخلاقية ودينية وعنصرية ظلت نائمة تحت لحاف الاعتدال و"الصواب السياسي".
"ترامب" قصف هذا الصواب بكل ما توفر لديه من أسلحة وإيمان بنظرية المؤامرة ضد الذين "سرقوا النتائج"، بل وحتى في العلاقة مع أقرب حلفاء الولايات المتحدة، الأوروبيين، الذين تعامل معهم باستخفاف.. والانقسام الحاد يتجه ليزداد حدة مع تصاعد أعمال العنف السياسي في البلاد.
وهذا كابوس ثانٍ.
الجمهوريون، وإن كانوا سوف يمنحون ترامب دعمهم للترشح للرئاسة، فإنهم منقسمون أيضا.. فهناك بينهم مَن يعتبر أن الحزب بات مُختطفا من جانب الأغلبية الموالية لترامب.
وفكرة "الاختطاف من جانب الأغلبية" تحمل تناقضا ذاتيا.. فالأغلبية أغلبية في نهاية المطاف.. ولكن "الاختطاف" قائم أيضا، لأن الحزب يخرج عن مساره التقليدي كحزب محافظ يمثل "يمين الوسط".
ليز تشيني، أبرز الذين يحاربون ترامب و"الترامبية"، ليست الوحيدة بين قيادات الحزب الجمهوري، التي تريد "استعادة" الحزب إلى موقعه كحزب يحترم التقاليد الديمقراطية والدستور ولا يدور حول شخص واحد.
و"الاستعادة" فكرة يدعمها نائب الرئيس السابق، مايك بنس، ومايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي السابق، وعدد من النواب والشيوخ الجمهوريين في الكونغرس.. والنزاع يمكن أن يندلع داخل الحزب حول الأكثر تأهيلا للترشح باسمه، بما يمكن أن يؤدي في النهاية إلى انقسام صريح، ومرشحيْن اثنين على الأقل يمثل كل منهما شقّا من الشقين.
وهذا كابوس ثالث.
الديمقراطيون ليسوا أفضل حالا.. إنهم بلا مرشح أصلا، حتى الآن على الأقل.
الرئيس جو بايدن، عمره أكبر من أن يستطيع تحمل أعباء المنصب. سيكون في عام 2024 قد بلغ الثانية والثمانين لرئاسةٍ يُفترض أن تمتد به حتى السادسة والثمانين، وهو أمر غير واقعي، على الأقل، بالنسبة لما يبدو عليه الرجل.
ما قد يدفع بايدن إلى مواجهة ترامب يقوم على إغراء أنه تفوَّق عليه ذات مرة.. ولكنه كان تفوقا هشّا، ما يجعل عمره، والأوضاع الاقتصادية في البلاد، عاملَين يُبطلان ذلك التفوق.
أيضا نائبته كمالا هاريس، لا تبدو مؤهلة حتى لدورها الحالي.. وكان من الواضح أنها غابت عن حملات الانتخابات النصفية لدعم المرشحين الديمقراطيين، ليحل محلها الرئيس السابق باراك أوباما، ليس لأنه خطيبٌ مفوّه أفضل، أو لأنه يمتلك كاريزما أقوى فحسب، بل لأنه أقل إثارة لدوافع الانقسام بين الناخبين.
أكثر من ذلك، فليس بين طاقم الرئيس بايدن الحالي مَنْ يملك الجرأة والأدوات الخطابية والتصورات الاقتصادية التي تؤهله لمواجهة "جرأة" ترامب، أو لغته.
وهذا كابوس رابع.
"إنه الاقتصاد، يا غبي". تلك العبارة الشهيرة التي وفرت الفرصة للديمقراطي بيل كلينتون، ليتفوق بها في انتخابات عام 1992 على الرئيس جورج بوش "الأب".. ستعود هذه العبارة لتُلقي بظلالها الكئيبة على انتخابات عام 2024.. ولكنْ، ليس لأنها عبارة تعكس ضعفا في النمو وركاما ثقيلا من الديون، وإنما ككارثة تجمع بين هذا وذاك إلى جوار معدلات تضخم غير مسبوقة وفوائد عالية، تزيد من أعباء الديون على الميزانية الاتحادية وعلى الناخبين في آنٍ.. وهذا كابوس خامس، أبلغ تأثيرًا من كل الكوابيس الأخرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة