الصعاب والتحديات التي مرت على الشعب الإثيوبي خلال مختلف الحقب خلقت لديه ثقافات متداخلة وعلامات تميز أصيلة.
ومن خليط العادات الموروثة، التي باتت سمة إثيوبية، تنظيم الاصطفاف تلقائيا، فالأفراد توَّاقون لأي عمل جماعي يحتشدون خلفه، احترامًا للعمل الذي يؤدونه معا أو للخدمة التي يتلقونها معا.
الاصطفاف والاحتشاد صفة دفاعية عن الأفراد والمجموع، فهذا التنظيم يحمي ضعفاءهم من أي أذى، كالسرقة مثلا، ويجعلهم يراقبون الدخلاء عليهم، والذين لهم أهداف أخرى في ذات بينهم وتفرقهم.
ومن الصور الجمالية في أديس أبابا، العاصمة الإثيوبية، وغيرها من المدن الكبرى، أن ترى في كل الطرقات العامة صفوفا طويلة يملؤها إثيوبيون، وقد تكون عدة صفوف في مكان واحد، فهذه صفوف للمواصلات العامة، وتلك أمام إحدى المتاجر، وثالثة أمام مجمع خدمات.
هذا الاصطفاف التنظيمي بات أحد معالم إثيوبيا، التي توضح ما وصلت إليه مجتمعاتنا من تضافر وتقدم وتطور، ولو في صورة رمزية على مستوى الشكل، لكنها لا تخلو من مضمون وحدوي.
وعلى الرغم من صعوبة الطقس وهطول الأمطار المستمر يوميا تقريبا على العاصمة، فإن وقوف المواطنين في صفوف عادة لا يغيرها أي ظرف ولو حتى كان الطقس القاسي، فالكل تجده يحمل شمسيته انتظارا لدوره وسط الجموع، وهذه علامة من علامات رُقي المجتمعات وصلابتها.
كذلك لا تجد صفوفًا فئوية، إذ يقف الجميع في صف واحد، سواء من الكبار أو الصغار أو النساء، وهذه حالة من التساوي تجعل الجميع راضيًا بأنه لا يُظلم في شيء.
في كثير من الأحيان تزخر الصفوف بالعديد من الأحاديث الجانبية والنكات الساخرة، خاصة عندما يوجد فيها كبار السن، الذين يتحدثون عن حكايا الماضي الثري، إذ يتسلّى مواطنو الاصطفاف بهذه المرويات، فيما يستأجر آخرون بعض الصحف لقراءتها أثناء الوقوف في الصف الطويل حتى يأتي دورهم، كما أن باعة اليانصيب لهم نصيب من هذه الصفوف على مستوى تجارتهم وتوزيع أوراقهم، كذلك الباعة المتجولون، الذين يجدون في هذه الصفوف سوقا مليئة بالزبائن ورواجا لبضاعتهم.
لا تحلو الحياة اليومية في العاصمة الإثيوبية دون الوقوف في هذه الصفوف التي تأتي على كل شكل ولون، صفوف دخول السينما وملاعب الكرة.. صفوف ترمز لوحدة الإثيوبيين وحياتهم البسيطة المنضبطة في طوابير من المتعة والاتحاد والقوة الشعبية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة