بوفاة إبراهيم منير، القائم بعمل مرشد تنظيم الإخوان الإرهابي وزعيم إحدى الجبهات الثلاث المتصارعة داخل الجماعة، يكون التنظيم دخل مرحلة جديدة من تاريخه الأسود.
فمن المعروف أن سيطرة المعمّرين -مَن يُطلق عليهم "القيادات التاريخية"- على مفاصل السلطة والمال في جماعة الإخوان الإرهابية، كانت سببا جوهريا في حدوث انشقاقات داخلية وتمرد أعداد من الكوادر الإخوانية، خصوصا الشباب، وذلك بعد انكشاف مخططات التنظيم، ثم عجز هذه القيادات عن تنفيذ مستهدفات الجماعة، بعد انفضاح زيف شعاراتهم حتى لأبسط بسطاء الشعب المصري.
لذلك، فإن غياب إبراهيم منير عن المشهد الإخواني، سيزيد حدة الأزمة التي تعصف بـ"الجماعة" منذ سنوات.. ويضيف مزيدًا من التعقيد والغموض على مستقبلها.
فإضافةً إلى مناصبه الرسمية في التنظيم، كرئيس للتنظيم الدولي، ثم قائم بعمل المرشد، كانت لـ"منير" مكانة خاصة تفتقدها معظم القيادات التالية له في الترتيب داخل الإخوان.. ما يشير بقوة إلى أعلى درجة من الصراع والتنازع على القيادة داخل التنظيم في مرحلة "ما بعد منير".
ورغم المسارعة بتسمية خليفة "منير"، وهو محيي الدين الزايط، فإن التعجيل بهذه الخطوة بحد ذاتها يؤكد حالة الارتباك والقلق لدى قيادات "الهيئة العليا"، التي كان "منير" قد شكّلها لإدارة شؤون الجماعة.. تُضاف إلى ذلك الاختلافات الكبيرة بين "منير" و"الزايط"، سواء في الطبيعة الشخصية أو في الرصيد التاريخي لكليهما داخل الجماعة.
فـ"الزايط" ليس شخصية احتوائية مثل "منير"، ومعروف عنه الحدة وعدم تقبل الحوار والنقاش -وهو سمت غالبية أفراد التنظيم- كما أن رصيده في العمل التنظيمي محدود وتاريخه ليس معروفًا لكثير من الكوادر الإخوانية.
أما الملاحظة الجديرة بالانتباه في البيان الصادر بشأن تولّي "الزايط" قيادة الإخوان، فهي توليه القيادة "بصفة مؤقتة".. وهو أمر له دلالة مهمة، حيث يشير إلى أن التنظيم صار يفتقر إلى تراتُبية المناصب والاستقرار على المرشحين وعدم جاهزية البديل المحتمل للقيادات القائمة.. ما يعني بدوره تأكيد حالة التفكك، التي يعانيها الإخوان، ليس فقط بين القيادات وبعضها وانقسامها إلى جبهات، ولا بين القيادات والقواعد وحسب، بل أيضا داخل كل من الجبهات المتصارعة، وتحديدًا فيما بين قياداتها.. ما سيكون له مردود سريع على معدل انهيار التنظيم، في ظل توالي غياب القيادات الرمزية عن المشهد.. فلا يمكن التنبؤ بمسار العلاقات بين بقية القيادات الأخرى التالية في الترتيب.
وفاة إبراهيم منير تصب بالتأكيد في صالح جبهة "محمود حسين"، وتفتح الباب أيضا أمام الجبهة الثالثة، "الكماليون"، لمزيد من الجرأة والتمسك بمواقفها المعارضة للجبهتين الأساسيتين، رغم أن "منير" لم يكن يعتبر "الكماليون" عدوًّا بدرجة العداء نفسها الموجهة لمحمود حسين وجبهته.
ما يزيد غموض مستقبل الإخوان أن أموال الجماعة لا تزال تمثل الرقم الصعب في مجمل المشهد الإخواني.. وهي "الأموال" التي تسيطر جبهة "منير" على النسبة الكبرى منها.. وبالتالي فإن وفاة "منير" ربما تُغري بعض أغنياء ورأسماليي الجماعة، خاصة المقربين لـ"منير"، مثل يوسف ندا، بأدوار تنفيذية تتجاوز ملف التمويل.
في هذه الحال، فإن زيادة المساحة المشتركة بين "إدارة التمويل" وبين "إدارة التنظيم" قد تحفظ لجبهة "منير"، أو مَن يقودها تاليا، القدرة على الصمود والاستمرار، ولو إلى حين، حتى يظهر صوت جبهة محمود حسين.
وفاة إبراهيم منير، القائم بعمل المرشد، ستكرس الصراع الدائر بين جبهات الجماعة الإرهابية.. وستكون عاملا كاشفا لمزيد من الطبقات الخفية في ذلك الصراع، وهي المتعلقة بالأوضاع والترتيبات اللاحقة.. وستعجِّل باحتدام التنافس داخل وبين جبهات التنظيم الإرهابي.. ويبدو أن انفجار حرب الجميع ضد الجميع داخل جماعة الإخوان الإرهابية قد بات قريبا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة