زلات لسان وارتباكات تسيَّدت مشهد عزاء نائب مرشد الإخوان إبراهيم منير.
فرغم محاولات الجماعة "فرع منير" الحثيثة في تأكيد "وحدة التنظيم" ونفي أي انشقاق أو خلافات بين أعضاء "الهيئة الإدارية العليا" التي تدير الجماعة، والتي تقوم مقام ما يسمى "مكتب الإرشاد"، على مَن سيخلف "منير" ويتقلد منصب نائب المرشد والقائم بأعماله، فإن حقيقة وجود صراعات وخلافات بينهم أبت إلا أن تكشف نفسها عبر هذه الزلات على لسان "محيي الدين الزايط".
ويرى مراقبون أن تكرار صهيب عبد المقصود، المتحدث الإعلامي للإخوان، وكذلك أسامة سليمان، المتحدث الرسمي، في لقاءاتهما بالفضائيات، عما أسمياه "وحدة الصف الإخواني"، و"امتلاك 90% من مؤسسات الجماعة وأعضائها"، ما هي إلا تأكيدات خرجت لتُغطي على مشكلة ما داخل الجبهة.
ما يقوِّي هذا الرأي هو خروج عصام تليمة، الإخواني القريب من جبهة "منير"، في مقطع مرئي على قناته ليؤكد "كذب وجود خلافات بين أعضاء الهيئة الإدارية العليا"، وأن "حلمي الجزار شخص محترم وملتزم، لا يمكن أن يصارع على مناصب في الجماعة"، زاعمًا أن هذه تقارير "تستهدف استقرار الجماعة".
ما قيل في عزاء "إبراهيم منير" هو ما زاد تخوف الإخوان، فقد أقيم الأحد الماضي أكثر من عزاء في أكثر من بلد بتوقيت واحد تقريبًا، فيما يشبه "بيعة" لـ"جبهة منير" لقيادة الجماعة في العالم، وهذا حمل عدة إشارات لبوادر خلاف مكتوم.
فأولًا كان من اللافت للنظر حضور "محمد البحيري"، رجل التنظيم الدولي القوي، فيما لم يتصدر كلمات العزاء، وإنْ قام بتلاوة الدعاء وتلقّي العزاء من كل الوفود التي حضرت، بل كان الجميع يتسابق في مصافحته وتعزيته وتقبيل يده، في مشهد دال باحتمال توليه منصب القائم بأعمال المرشد، وأن إعلان ذلك "مجرد وقت"، ومن اللافت أيضًا حضوره العزاء مرتديًا قلنصوة تشبه تلك التي كان يترديها "محمد حامد أبو النصر"، المرشد الرابع للجماعة الإرهابية.
كما حضر" محمد وليد حكمت"، مراقب الإخوان في سوريا، وحضر عادل إبراهيم، المراقب العام للإخوان في السودان، وطارق الزمر، القيادي فيما يسمى "الجماعة الإسلامية"، كما حضر "عصام البشير" بصفته نائب رئيس "اتحاد علماء المسلمين"، وقدَّم خالد مشعل كلمته نيابة عن "حماس" عبر الفيديو كونفرنس، في كلمات تأبين تحوّلت لمهرجان تأييد لجبهة "منير" سابقًا، أو جبهة "محمد البحيري" محتملًا.
وكان أول المتحدثين محيي الدين الزايط، نائب إبراهيم منير في قيادة الهيئة الإدارية العليا لقيادة الجماعة والقائم بالأعمال "المؤقت"، والتي أفاض بها في ذكر فضائل الراحل ثم أثنى على "حسن البنا" و"سيد قطب"، وأكد أنه -منير- "امتدادٌ تطبيقي لهما"، وأشار إلى منهج "منير" في قبول المصالحة، وزعم أن "منير" كان لا يشغله سوى هموم الأسر والمحبوسين من الإخوان، في محاولة لكسب تعاطف الأسر، والنساء على وجه الخصوص.
ثم في جملة لا محل لها من الإعراب أكد "الزايط" أن أعضاء الجبهة "على قلب رجل واحد ولا توجد بينهم أي خلافات، ولا يوجد ما يعكر صفوهم، ولا صراع على المناصب"، بل ذهب "الزايط" إلى ادعاء أبعد، وهو أن الجماعة "ليس بها مناصب ليتصارع عليها أحد"، متجاهلا أن ثمة خلافات جذرية بين جبهته وجبهة محمود حسين على الأقل.
هذه الزلات اللسانية أكدت عكس ما أعلنت، وهو ما أثير مؤخرًا على ألسنة بعض شباب الجماعة، بأن ثمة غضبًا وعدم رضا بين أعضاء "الهيئة الإدارية العليا"، التابعة لـ"منير"، عن اتجاه التنظيم الدولي بتكليف "محمد البحيري" بإدارة الجماعة وتولي منصب القائم بأعمال المرشد، رغم أن الأقرب لتلك المهمة هو "حلمي الجزار"، الذي رفض -كما يزعم بعض القريبين من الإخوان- تكليف "البحيري"، ما دفعهم إلى تسكين الوضع على ما هو عليه، وتكليف محيي الدين الزايط بإدارة الجماعة، باعتباره كان نائبا للجنة فقط، ومع تأكيد أنه مُعيَّن بشكل مؤقت، ربما لشهر أو أكثر، لحين الانتهاء من انتخاب نائب المرشد.
المهلة التي أعلنها الإخوان، والتي تمتد من شهر إلى أكثر، هي فترة مبالغٌ فيها، فلا يستدعي الأمر كل هذا التأخير، إلا إذا لم يكن المنصب محسومًا، وأن هناك بالفعل خلافات تحتاج إلى وقت لحلها.. هنا تأكد لدى شباب الجماعة أن ثمة مشكلة في الأروقة الداخلية للإخوان "جبهة منير".
فالمعلوم لائحيًا أن ما يسمى "مجلس شورى الإخوان" تم استكمال نصابه القانوني في الانتخابات الأخيرة، التي تمت قبل أشهر، وبما أن المجلس يمكن له الانعقاد بسهولة فيلزم أن يتم انتخاب القائم بالأعمال في جلسة أو اثنتين على الأكثر، وأما أعضاء المجلس في الداخل المصري فيمكن لهم التصويت عبر تطبيق "زوم"، وحتى لو أرادوا استطلاع رأي المرشد المسجون في القاهرة، فأيضا لا يستدعي كل هذا شهرًا أبدا، وكان يمكن -حسب المقربين من الإخوان- أن يتم الإعلان مساء الجمعة الماضي عن تسمية خليفة "منير"، إلا إذا كان هناك خطبٌ ما.
تأتي هذه التخوفات في ظل ما تعانيه الجماعة أساسًا من صراعات معلنة بين ثلاثة تنظيمات، كل منها يعلن أنه هو جماعة الإخوان، ففريق يتبع محمود حسين، الأمين السابق للجماعة والذي يحظى بتأييد خيرت الشاطر، وجبهة "الكماليون"، التابعة لاسم محمد كمال، مؤسس اللجان النوعية العملياتية الإرهابية، و"جبهة منير"، التي لم تسمِّ خليفة لها حتى الآن.
وقد تسبَّب هذا الانشقاق في تشتت المراقبين والمتابعين لشؤون الجماعة الإرهابية، فمَن منهم هو صوت الجماعة؟، ومَن يملك أن يقدم طلبات عناصر الإخوان المحبوسين على ذمة قضايا؟
ربما تحمل الأيام القليلة القادمة أخبارًا عن انشقاقات جديدة داخل "جبهة منير"، فقد رجَّح مراقبون أن كل تلك المدة ربما لتهدئة الغاضبين من فرض التنظيم الدولي اسم "البحيري" على التنظيم المصري، وربما خوفًا من قفز محمود حسين على الجماعة ثانية.. كلها احتمالات تثبت أن ثمة خلافات في "جبهة منير"، وأن ثمة صراعًا مكتومًا يوشك أن يخرج.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة