توقعات وآمال للنجاة من كارثة مُناخية، "لا رجعة فيها"، مُعلقةٌ على نتائج قمة المناخ Cop27، التي تشهد مباحثات ماراثونية للوصول إلى إجراءات ملموسة لتطبيق تعهدات تم قطعها في قمم سابقة.
أقصد تحديدا ما يتعلق بالتمويل، والقدرة على تحويل هذا التمويل إلى استثمارات ومشروعات فعلية، والتحول من "مذكرات التفاهم" إلى تعاقدات مُلزمة في مجال الهيدروجين الأخضر خاصة.
مؤتمر المناخ يُعقد في ظل ظروف شديدة الصعوبة، ليس فقط بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، والتي دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمته الرئيسية بالمؤتمر إلى وقفها، وإنما أيضا لتصاعد الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
وعكست كلمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسالة واضحة مفادها: "الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر.. انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في تزايد، كما أن درجات الحرارة ترتفع بشكل متسارع، وكوكبنا يقترب بسرعة من نقاط تحوُّلٍ ستجعل الفوضى المناخية لا رجعة فيها".. وقال: "نحن على طريق سريع إلى جحيم المناخ، وأقدامنا لا تغادر دواسة البنزين".
وخلال هذا العام فقط، شهد العالم تزايد الآثار المدمرة الناجمة عن تغير المناخ، كوارث إنسانية واضطرابات اقتصادية، مع الأعاصير في بنجلاديش، وسيول غير مسبوقة في باكستان، وحرائق غابات في أمريكا الشمالية، وموجات حارة في أوروبا، ونوبات جفاف في أفريقيا.
وإذا استمر الاحترار العالمي، فإن تنبؤات العلماء في تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي ستصدُق بمزيد من الكوارث والاضطرابات طويلة الأجل في أنماط الطقس، ما يؤدي إلى خسارة الأرواح وتدمير سُبل العيش واضطراب المجتمعات، وقد تعقب ذلك موجات هجرة جماعية، ومن الممكن أن يتسبب عدم الوصول بالانبعاثات إلى المسار الصحيح بحلول عام 2030 في صعود الاحترار العالمي إلى مستوى لا يمكن تداركه، يتجاوز الدرجتين المئويتين، والتهديد ببلوغ نقاط تحول كارثية يصبح فيها تغير المناخ مستمرًا بالدفع الذاتي.
لذا فمن الضروري أن ينحسر ارتفاع حرارة الجو، ويتطلب تحقيق ذلك بحلول عام 2050 تخفيض الانبعاثات بمعدل 25-50% بحلول عام 2030 مقارنةً بمستويات ما قبل عام 2019.
كما أن هناك فجوة أكبر فيما يتعلق بسياسات المناخ العالمية الحالية، التي تشير أحدث دراسة لصندوق النقد إلى أنها ستحقق خفضًا للانبعاثات لا يتجاوز 11% والفجوة بين هذه النسبة وما نحتاج إليه شاسعة، إذ تعادل 5 أضعاف الانبعاثات التي يُصْدِرها سنويا الاتحاد الأوروبي.
بإمكان العالم اختيار مستقبل أفضل، وإذا تم ذلك بالشكل الصحيح، فسوف يقودنا التحول الأخضر إلى العيش في كوكب أنقى، يتسم بأقل درجة من التلوث، وباقتصادات أكثر صلابة في مواجهة الصدمات، وشعوب تتمتع بصحة أفضل، ويتطلب الوصول إلى هذا الهدف تحركًا على ثلاث جبهات:
سياسات لا تحيد عن مسار الوصول إلى الصفر الصافي بحلول عام 2050، وتدابير قوية للتكيف مع الاحترار العالمي، الذي أصبح واقعًا مستقرًّا بالفعل، ودعم مالي وطيد لمساعدة البلدان المعرضة للمخاطر على سداد تكلفة هذه الجهود.
بالنسبة للدعم المالي، لا يخفى على أحد أنه على مدار 26 دورة للمؤتمر منذ انطلاق النسخة الأولى في برلين عام 1995، وجود فجوة كبيرة بين القناعات والشعور بخطورة مشكلات المناخ، وبين الخطوات والتحركات الفعلية، التي تتم على الأرض لمواجهة هذا الخطر، وهو ما يظهر على نحو كبير في دول الغرب وتعهداتها، ولا تتراجع البلدان النامية عن انتقادها لتلك البلدان مع استمرار الجدل حول التعويضات المناخية.
ومنذ سنوات حاربت البلدان النامية من أجل وضع تمويل "الخسائر والأضرار" على جدول أعمال قمة المناخ، والذي تطالب عبره البلدان الغنية بتقديم مزيد من الدعم المالي لمساعدتها على مواجهة تأثير التغيرات المناخية، بعد أن خالفت تعهداتها بتقديم 100 مليار دولار سنويا للعالم النامي، والتي لم تعد كافية وقفزت إلى تريليونات الدولارات.. فيما رفضت البلدان الغنية الموافقة على مناقشة التعويضات لأكثر من عقد من الزمان واتُهمت بـ"التنمر" على البلدان الفقيرة لمحاولة حذفها من جدول أعمال COP27.
لكن للمرة الأولى في تاريخ مؤتمرات المناخ، تنجح البلدان النامية في وضع تمويل "الخسائر والأضرار" على جدول أعمال القمة في نسخة شرم الشيخ، حيث ستتم مناقشة القضية، وهو ما يمكن اعتباره صفقة كبيرة واتفاقا تاريخيا، حيث سُمح للدبلوماسيين بمناقشة مَن يجب أن يدفع التعويضات عن الأضرار التي لحقت بالدول الأكثر عرضة لتغير المناخ.
ويسعى ممثلو الدول المشاركة في المؤتمر للتوصل إلى قرار حاسم بشأن الخسائر والأضرار في موعد أقصاه 2024، وبحيث تركز على "التعاون والتسهيل" بدلا من "المسؤولية والتعويض"، بحسب تصريحات وزير الخارجية المصري والرئيس المعيّن لقمة "كوب 27"، سامح شكري، في كلمته الافتتاحية لمؤتمر المناخ.
ورغم ما قوبلت به الفكرة من ردود فعل متباينة من البلدان المتقدمة، حيث أعلنت هولندا واسكتلندا أنهما سيكثفان تمويل المناخ للعالم النامي، بينما قال بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا السابق، إن بلاده لا تملك المال لتمويل تلك الخسائر والأضرار.. فإن هذه الخطوة المهمة تعتبر في حد ذاتها نجاحا كبيرا لمؤتمر شرم الشيخ، إذ أجبرت اتفاقية المناخ للمرة الأولى على خلق مساحة مستقرة في جدول الأعمال الرسمي لقمة "كوب 27" واتفاق باريس للمناخ، لمناقشة أكثر القضايا إلحاحا، وهي ترتيبات التمويل اللازمة للتعامل مع الفجوات الموجودة في الاستجابة للخسائر والأضرار، وهو ما يضيف عبئا كبيرا على المفاوضين ويزيد صعوبة ما تواجهه القمة.
من الضروري أن يخرج المؤتمر برسائل محددة وإلزام الدول الغنية بتنفيذ وعودها السابقة، والتي لم تعد كافية، وإقرار وعود جديدة وجب التزامها، كما أنه يجب على الدول المتقدمة أن تضع لنفسها هدفا محددا لتقليل الانبعاثات خلال العشر سنوات المقبلة، في مقابل السماح للدول النامية بزيادة انبعاثاتها حتى يمكنها النمو.
في المقابل تحتاج الدول النامية إلى المساعدة للتأقلم والتكيف، وهذه المساعدات لن تأتي من المجتمع الدولي وحده، ولكن يجب أن يكون هناك تمويل ذاتي، ويشارك القطاع الخاص بجزء من التمويل، بشرط إسهام المؤسسات الدولية في عمليات التمويل وتحمل جزء من المخاطر لتشجيعه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة