بوتين وأردوغان.. القيصر والسلطان في رحلة صيد بالبحر الأسود
قمة أردوغان-بوتين، الإثنين، ليست مجرد قمة بروتوكولية؛ بل تتجاوزها إلى تنسيق إستراتيجي ذي ركيزة اقتصادية.
بعد نحو خمس سنوات قضاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في محاولة حل الأحجية السورية، بدا أن السلطان الذي أعاد تأسيس شرعيته بعد محاولة انقلاب بائسة في يوليو/ تموز الماضي، يعيد قراءة المتاهة التي أدارت رأسه.
وفيما يستقبل أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الإثنين، يأمل على ما يبدو أن يدله ضيفه على طريقة لصيد أكثر من عصفور بطلقة واحدة، دون أن يخطئ ويصيب قدمه.
بحسب المعلن، يتصدر الملف الاقتصادي أجندة المباحثات خلال القمة المرتقبة بين الرئيسين أردوغان وبوتين على هامش زيارة يجريها الأخير إلى تركيا، للمشاركة في مؤتمر الطاقة العالمي بمدينة إسطنبول.
وفي الشطر الأوروبي من تركيا على ضفاف بحر مرمرة، حيث يستقبل السلطان القيصر الروسي على مرمى حجر من القارة العجوز، سيفكر الرئيس أردوغان في الطريقة التي سيسدد بها الصفعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تخلى عنه في القضية السورية.
بدت أنقرة، خلال السنوات الماضية، أكثر ميلاً إلى فكرة مواجهة التدخل الروسي في سوريا، وحصار موسكو وعقابها، وإقامة منطقة آمنة للمعارضة واللاجئين شمال سوريا، وعدم الاعتراف أو مكافأة الدب الروسي على دعم نظام بشار الأسد.
وتوقع أردوغان أن يجد رداً أوروبياً على التدخل الروسي في سوريا يماثل موقفها في الأزمة الأوكرانية، حيث فرض الغرب عقوبات اقتصادية صارمة على بوتين بعد تدخله الخشن في شبه جزيرة القرم، لكن بدا حلف الناتو متساهلاً جداً مع الروس.
يعتقد محمد عبد القادر، الباحث المتخصص في الشأن التركي، أن الرئيس أردوغان بات يدرك أن بإمكانه "إدارة التناقض" في علاقته بالرئيس بوتين بحثاً عن مكاسب مشتركة للطرفين، ويقول لـ"العين" إن "هناك قناعة الآن في كل من أنقرة وموسكو بأنه لم يعد من الممكن تحمل تكاليف الأزمة بوضعها الراهن".
ويضيف "عبد القادر" أنه لم يكن من الصعب على الأتراك تليين موقفهم إزاء نظام الأسد على الأقل بالتوقف عن طرح قضية مصيره، والتخلي عن دعم التنظيمات الإسلامية المتشددة، في مقابل السماح بإطلاق يدها في الشمال السوري لتحجيم دور الأكراد".
وتابع أنه "لم يكن صدفة أن تمضي تركيا في تحركها العسكري في مدينة جرابلس الواقعة على الحدود السورية التركية بعد أيام من قمة بوتين أردوغان".
الرئيس الروسي من جانبه، يسعى لتقديم عرض لا ينسى؛ أن يضع الطُعم في البحر الأسود لصيد أسماك بحر مرمرة؛ إذ يحمل بوتين خلال زيارته الحالية لتركيا ملف مشروع "السيل التركي" لنقل الغاز الطبيعي عبر البحر الأسود، مع إنشاء مجمع للغاز، لتوريده فيما بعد لمستهلكي جنوبي أوروبا، ومن المتوقع أن يبلغ حجم ضخ الغاز الروسي فيه 63 مليار متر مكعب سنوياً، منها 47 مليار متر مكعب ستذهب للسوق الأوروبية، فيما سيخصص 16 مليار متر مكعب للاستهلاك التركي.
لن يجد القيصر صعوبة تذكر في إبهار ضيفه المتلهف للتصفيق بحماس، فتركيا التي تعتقد أن عودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها عبر استئناف التبادل الاقتصادي أملاً في تخفيف حدة العداء، وتلطيف مواقف موسكو الثأرية، تحديداً فيما يتعلق بقضية أكراد الشمال السوري التي تمثل خطاً أحمر لن تقبل أنقرة بتجاوزه.
ويرى الدكتور بشير عبد الفتاح، الباحث المتخصص في الشأن التركي، أن "أنقرة بنت موقفها من الأزمة السورية انطلاقاً من اعتقاد مفاده أنه يمكن إسقاط الأسد خلال أسابيع، كان الأتراك الذين أذهلهم البساطة التي تداعى بها نظام الرئيس المصري حسني مبارك تغريهم لدعم فرضيتهم".
ويضيف بشير، لكن مع التعقيدات التي تراكمت على مدى السنوات الثلاث الأُول تحولت لطريق مسدود بعد التدخل الروسي المباشر، هنا تغيرت البوصلة التركية وبدلاً من أن تستهدف سقوط نظام الأسد، وجدت أنه من الواقعي أن تكتفي بفرض منطقة آمنة في شمال سوريا مع عدم السماح للقوى الكردية بتحقيق وحدة تسمح لهم بفرض أمر واقع جديد.
في هذه الأجواء من سيتذكر المقاتلتين التركيتين من طراز "إف-16"، اللتين أسقطتا المقاتلة الروسية من طراز "سوخوي-24"، في نوفمبر/ تشرين ثاني من العام الماضي؟!، على الأرجح لا أحد. يمكن فقط أن ترى ظلها في رسالة الرئيس التركي رسالة إلى نظيره الروسي، نهاية يونيو/ حزيران الماضي، والتي أعرب فيها عن حزنه حيال إسقاط الطائرة الروسية، وتعاطفه مع أسرة الطيار القتيل.
لكن بالتأكيد سيظل المشهد الأبرز لتلك الذكرى القمة التي عقدها بوتين وأردوغان، في أغسطس/ آب الماضي، في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية؛ حيث اتفق فيها الطرفان على تنفيذ مجموعة من الإجراءات الملموسة بهدف دفع علاقاتهما نحو الأمام بالسرعة المنشودة.
aXA6IDMuMTQ3LjYwLjYyIA== جزيرة ام اند امز