تركيا بين واشنطن وموسكو.. تخبط سياسي أم براغماتية؟
الضربة الأمريكية لقاعدة جوية تابعة للجيش السوري، مؤخراً، أظهرت تذبذباً في الموقف التركي تجاه الأزمة في جارتها الجنوبية
ضربت أمريكا قاعدة للجيش السوري، فهللت تركيا منادية باتخاذ خطوات أخرى مماثلة، ونسيت أنها طوت للتو خلافات مع روسيا الداعم الكبير للرئيس بشار الأسد، فهل هذا تخبط أم براغماتية في الموقف التركي؟
بعد ساعات من الغارات الأمريكية الصاروخية على قاعدة الشعيرات الجوية بحمص، الجمعة الماضية، وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخطوة بـ"الإيجابية ضد جرائم الأسد بالأسلحة الكيميائية والتقليدية".
وقال إنها غير كافية، وإنه آن الأوان لاتخاذ خطوات جدية قادرة على تحقيق نتائج إيجابية لصالح حماية الشعب السوري المظلوم".
موقفُ أكد أن ما قبل الضربة مختلف عما بعدها، فكانت مجزرة خان شيخون، الشعرة التي قصمت ظهر البعير، أي تغير الموقف التركي تجاه الأزمة السورية.
وإذا ما عدنا للوراء، سنجد أنقرة هي من كانت تحث بشار على القيام بإصلاحات جذرية مع بداية الثورة عام 2011، مروراً بدعم المعارضة فالمطالبة بإسقاط النظام عام 2012، وصولاً إلى قبولها بحل سياسي للأزمة بشرط رحيل الأسد عام 2015، ومن ثم القبول ببقائه خلال الفترة الانتقالية في 2016، إلى التدخل العسكري في سوريا عبر عملية "درع الفرات" في أغسطس من العام نفسه.
تغيرٌ في الموقف كشف أيضاً التناقضات التي شابت رؤية تركيا إزاء الأزمة السورية، والتحول السريع في بوصلة التحالفات المعنية بالشأن.
فأنقرة هي من اتهمت الولايات المتحدة، بدعم الإرهاب في الجارة الجنوبية، وكذلك دعم وحدات حماية الشعب الكردي المنتشرة في الشمال السوري، والتي تعتبرها تركيا "إرهابية".
فضلاً عن اتهام أنقرة لواشنطن بدعم محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 من خلال رفضها تسليم "فتح الله جولن" الذي يعيش في منفاه الاختياري بأمريكا، وتعتبره تركيا العقل المدبر لما حصل ليلة 15 يوليو.
اتهاماتٌ جاءت، في ظل تقارب "تركي – روسي"، وما شهده من توقيع اتفاق بشأن وقف إطلاق النار في سوريا، برعاية أنقرة وموسكو، أواخر فبراير الماضي.
التغيرات التي شهدتها رؤية أنقرة للأحداث الدائرة في سوريا، فسرها الباحث السياسي التركي فائق بولوط، في حديثه مع "بوابة العين الإخبارية"، بالموقف البراغماتي.
وأوضح بولوط أن هذا الموقف ينبع من نقطتين أساسيتين، الأولى تتمثل في عدم وجود نهج واضح للسياسة الخارجية التركية فيما يتعلق بالمسألة السورية خاصة أو بالمنطقة عموماً.
أما النقطة الثانية فتأتي من انتهاج تركيا السياسة البرغماتية في بعض الأحيان مع الولايات المتحدة، وذلك حسب الظروف الآنية، وأحياناً تلجأ للأمر نفسه مع روسيا.
بولوط خلص في رأيه بأن تركيا تقف عاجزة ويائسة في منزل بين الولايات المتحدة وروسيا، مشيراً إلى أن الخاسر الأكبر في التغيرات الأخيرة هي أنقرة.
وأدانت موسكو التي لديها مستشارون عسكريون على الأرض دعماً لقوات الأسد، الضربة الأمريكية، وقالت إنها غير مشروعة.
تفسير فائق بولوط، لم يتماشَ مع الكاتب والمحلل السياسي التركي مصطفى أوزجان، الذي استبعد مسألة التخبط والبراغماتية في موقف بلاده إزاء الأزمة السورية.
وقال أوزجان لبوابة العين الإخبارية، إن الترحيب التركي بقصف القاعدة الجوية السورية، نابع من عجز الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة باراك أوباما، عن التعامل جديا مع ما يحصل في سوريا، وتنصلها من وعودها.
وأضاف أن الموقف التركي مرتبط بالتحالفات الدولية، وسياسة اللاعبين الكبار، معتبراً أن أنقرة عادت إلى المربع الأول الذي تريده وهو رحيل الأسد.
وبعيداً عن الرأيين السابقين، لا تريد تركيا التفضيل بين الولايات المتحدة وروسيا، وهو ما جاء على لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو الذي قال إن تأييد بلاده للهجوم الصاروخي الأمريكي على قاعدة الشعيرات "لا يعني تفضيل تركيا واشنطن على حساب موسكو، فلسنا بوضع يجبرنا على التفضيل بينهما".
لكنه وفي الوقت الذي يعاد فيه تشكيل التحالفات الدولية والإقليمية في سوريا من جديد، تجد تركيا نفسها مجددًا في مواجهة أوضاع ميدانية جديدة، غاية في التعقيد والحساسية، لاسيما وأن قواتها تتحضر لإطلاق عملية عسكرية جديدة على الحدود الشمالية مع العراق، لمحاربة مقاتلي حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة من المنظمات "الإرهابية"، وذلك بعد أن أعلنت انتهاءها من عملية "درع الفرات" شمالي سوريا، قبل نحو أسبوعين.
يُذكر أن روسيا كانت قد رفضت الضربة الأمريكية لسوريا، واعتبرتها "عدواناً على دولة ذات سيادة" و"انتهاكاً للقوانين الدولية".
كما أوقفت موسكو العمل بالمذكرة مع واشنطن لتفادي الحوادث وتوفير أمن الطيران خلال العملية في سوريا، وبينت أن تلك الغارات ألحقت "ضرراً كبيراً" بالعلاقات الأمريكية الروسية.