"3 حروب ونصف".. أردوغان يعادي الجميع لأجل أوهام "الوطن الأزرق"
تلك العقيدة تضع تركيا في عداء مباشر مع القوى الإقليمية مثل مصر، وكذلك أوروبا
لم تكن حروب تركيا في سوريا والعراق ثم ليبيا، وما يمكن وصفه بـ"نصف حرب" في شرق المتوسط، وليدة الصدفة، وإنما تندرج في مخطط كبير للهيمنة بالشرق الأوسط، واستنزاف القدرات الاقتصادية لدول الجوار، ومعاداة الغرب، فيما بات يعرف بعقيدة "الوطن الأزرق الكبير".
تلك العقيدة تضع تركيا في عداء مباشر مع القوى الإقليمية مثل مصر، وكذلك أوروبا، وفق تحليلات غربية، تحدثت عن كيفية مواجهة الاتحاد الأوروبي للسياسة التركية الجديدة.
صحيفة "دي تسايت" الألمانية (خاصة) قالت إن سعي تركيا للهيمنة عبر استخدام القوة في جوارها يحمل عواقب وخيمة على منطقتي الشرق الأوسط، وشرق المتوسط.
وأضافت: "كما أن هذه السياسة التركية الجديدة وضعت أنقرة في عداء مباشر مع الاتحاد الأوروبي، وأصبح الطرفان متنافسين يسعيان خلف مصالح متعارضة، سواء في قضية اللاجئين أو قضايا الطاقة أو أمن الجوار الأوروبي".
ووفق الصحيفة ذاتها، تشن تركيا حاليا ثلاثة حروب في سوريا والعراق وليبيا، ونصف حرب مع اليونان في منطقة شرق المتوسط طمعا في احتياطات الغاز في قاع البحر.
ففي العراق، تشن القوات التركية غارات مستمرة شمال البلاد، وترسل قوات برية أيضا بحجة مواجهة حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه "إرهابيا"، فيما تشن أنقرة عمليات عسكرية في سوريا منذ 2016، تحت أسماء مختلفة مثل "درع الفرات"، و"غصن الزيتون" و"نبع السلام" وغيرها.
ومع كثير من التسامح الروسي، ضم رجب طيب أردوغان أجزاء كبيرة من شمال سوريا تحت سيطرته، بل أدخل الليرة إلى مقاطعة إدلب السورية كوسيلة تعامل مالي رسمية، وفق الصحيفة.
أما البحر المتوسط، فهو ثالث وأخطر منطقة توسع لتركيا، ويرتبط بالحرب في ليبيا والمحاولات التركية للتنقيب عن الغاز في قاع البحر.
قبل التدخل في ليبيا، كانت تركيا تناوش اليونان وقبرص ومصر حول احتياطات الغاز في المتوسط، رغم أنها لا تملك حقوقا في مياة شرق المتوسط وفق قواعد القانون الدولي.
لذلك، لجأت أنقرة إلى ليبيا، ووقعت مع الحكومة التي كانت تبحث عن طوق نجاة في طرابلس، اتفاقًا لتقاسم الحدود البحرية بين البلدين، في انتهاك واضح للمياه الإقليمية والاقتصادية الحصرية لليونان.
ومنذ أشهر، تشن تركيا حربا في الأراضي الليبية تتعلق بالأساس بالبحث عن النفوذ والسيطرة العسكرية والموارد والحدود البحرية، وفق ما ذكره الأستاذ في جامعة ماينز الألمانية والخبير في شؤون الشرق الأوسط، غونتر ماير في حديث لـ"العين الإخبارية".
وأوضح ماير أن تركيا ضربت بقرار مجلس الأمن الخاص بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا، عرض الحائط، ونقلت الأسلحة والمدرعات والطائرات بدون طيار وآلاف المرتزقة إلى طرابلس، وافشلت مؤتمر برلين لحل الأزمة سلميا، في تحد للمجتمع الدولي بأكمله.
وبعد أن باتت لاعبا رئيسيا في ليبيا، التفتت تركيا إلى بحر ايجه ومنطقة شرق المتوسط، وأرسلت السفن إلى المياه اليونانية للتنقيب عن الغاز، ما أشعل التوتر، ووضع المنطقة على شفا صدام عسكري، فيما اعتبرته صحيفة "دي تسايت"، "نصف حرب"، إثر تقارير عن وساطة ناجحة للمستشارة أنجيلا ميركل منعت تطور الأمر لاشتباكات بين البلدين.
من السلام إلى العدوان
مع تأسيس الجمهورية التركية بشكلها الحالي، لم يكن مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك يملك تطلعات توسعية، وأراد تركيا محايدة، وكانت عقيدته هي "السلام في الداخل.. السلام في العالم".
وفي العقد الأول من الألفية الثالثة، صاغ وزير خارجية تركيا آنذاك، أحمد داود أوغلو، عقيدة دبلوماسية جديد، وهي "صفر مشاكل"، ترمي إلى تصفير المشاكل مع دول الجوار، وزيادة الاعتماد الاقتصادي المتبادل.
وفي هذا الإطار، قالت صحيفة دي تسايت الألمانية "حتى ثورات الربيع العربي في 2011، كانت هذه السياسة تبدو جيدة، لكن مع فشل خطط أنقرة لقيادة الحكومات العربية تحت راية تنظيمات الإسلام السياسي المتطرفة (الإخوان)، بدأت العدوانية تسيطر تدريجيا على السياسة التركية".
وتابعت: "لم تعد تركيا تعتمد اليوم على القوة الناعمة لتحقيق أهدافها الخارجية، ولكن على الطائرات بدون طيار والسفن الحربية، وتزايدت مساعيها للهيمنة في الشرق الأوسط".
وأضافت: "باتت هذه السياسة تستند لعقيدة جديدة تهدم عقيدتي السلام في الخارج، وصفر مشاكل"، موضحة "بعد محاولة الانقلاب (المزعومة) في 2016، تحالف أردوغان مع القوميين في الجيش والسياسة، وتبنى عقيدة الوطن الأزرق الكبير".
وقال الخبير السياسي إلهان أوزجال للصحيفة ذاتها "تعكس العقيدة الجديدة مساعى أنقرة للتوسع في البحر المتوسط ودول الجوار".
وأضاف أوزجال: "تقوم هذه العقيدة على ثلاثة عناصر أساسية: العسكرة والدفاع الوطني عبر الحدود باستخدام المرتزقة العرب من التنظيمات الإسلامية، وتطوير صناعة الأسلحة".
ووفق أوزجال، فإن العقيدة الجديدة تشمل نشر القوات التركية بشكل طويل الأمد في الخارج، وهو ما ظهر في إعلان تركيا رغبتها في إقامة قاعدتين بحرية وجوية غرب ليبيا.
وفي الداخل التركي، يبدو أن هذه السياسة تؤتي أكلها وتحقق أهدافها في مد شعبية أردوغان بين مؤيدي الأحزاب والحركات القومية، وفق أوزجال.
وأوضح أوزجال: "هذه العقيدة تحقق نجاحا بشكل خاص بين منتقدي الغرب في تركيا من السياسيين والضباط "الأوراسيين" الذين يفضلون تقاربا مع روسيا وإيران والصين على حساب الغرب.
كيف تتحرك أوروبا؟
لذلك، تدعو الخبيرة في شؤون السياسة الأوروبية، ناتالي توسي، الاتحاد الأوروبي إلى الانخراط العسكري المباشر في جواره المباشر لمواجهة التحركات التوسعية التركية.
وضربت الخبيرة مثالا بضرورة إرسال قوات أوروبية لحفظ السلام في ليبيا، لافتة في تصريحات لـ"دي تسايت" إلى أن الانخراط العسكري الأوروبي في دول الجوار سيكون رسالة قوية لمن لا يعرف سوى لغة القوة، في إشارة إلى أردوغان.
فيما قال غونتر ماير لـ"العين الإخبارية" إن التحركات التركية في الشرق الأوسط يجب أن تواجه بعقوبات اقتصادية أوروبية قوية، لكبح جماح أردوغان.
aXA6IDE4LjE5MS4xMjkuMjQxIA== جزيرة ام اند امز