تركيا وتصاعد الغضب الأمريكي.. تجاهل ثم "توبيخ" بالناتو
تتوالى المواقف التي تبرهن على مدى السوء الذي وصلت إليه العلاقات بين واشنطن وأنقرة جراء السياسات الاستفزازية للرئيس رجب طيب أردوغان.
وبعد زيارة إلى أنقرة لم يلتق خلالها أي مسؤول تركي في سابقة هي الأولى من نوعها، هاجم وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، خلال اجتماع لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، أنقرة وسياساتها التي وصفها بالمستفزة.
أزمات كثيرة تسببت في تراجع العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة خاصة بعد محاولة الانقلاب المزعومة صيف 2016.
ودعت تركيا دونما جدوى الولايات المتحدة إلى تسليمها الداعية التركي فتح الله غولن المقيم في بنسيلفانيا الذي تتهمه بأنه العقل المدبر لمحاولة الانقلاب الفاشلة.
ويختلف البلدان أيضا بشأن قوات كردية مدعومة من واشنطن في مكافحة تنظيم "داعش" في سوريا، فيما تسبب إصرار تركيا على إتمام صفقة "إس 400" مع روسيا على وضعها في عين العاصفة بانتظار عواقب وخيمة وعقوبات قد تنهي على ما تبقى من اقتصادها المنهار.
زيارة مهينة
ومنتصف الشهر الجاري، أجرى وزير الخارجية الأمريكي زيارة مهينة إلى تركيا ضمن جولة تشمل أيضا كلا من فرنسا وجورجيا وإسرائيل والإمارات والسعودية.
والتقى بومبيو خلال الزيارة رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية دون أي لقاء مع مسؤول رسمي في واقعة هي الأولى من نوعها، وصفتها تقارير إعلامية بأنها نتيجة تدهور العلاقات بين البلدين.
اجتماع الناتو
كما كشفت مصادر دبلوماسية عن تفاصيل هجوم لاذع شنته واشنطن ضد أنقرة خلال اجتماع لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، بسبب عمل تركيا على تقويض الحلف.
ونقلت صحيفة "كاتيميرني" اليونانية عن أحد المصادر، التي فضلت عدم الإفصاح عن أسمائها قوله، إن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أبدى استياءه من تصرفات أنقرة، خلال اجتماع عبر تقنية الفيديو لوزراء الخارجية في حلف "الناتو".
واتهم بومبيو تركيا، بـ"تقويض انسجام الناتو وعدم الالتزام بمبادئ الحلف"، وتحدث عما وصفه بـ"الأنشطة المستفزة" في ليبيا وسوريا وإقليم ناغورني قره باغ، وشرقي المتوسط.
وأشار وزير الخارجية الأمريكي أيضا إلى قيام أنقرة بشراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية "إس 400"، قائلا إن ما حصل كان "هدية إلى موسكو".
وكانت واشنطن من أشد معارضي شراء تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية، نظرا للمخاوف المتعلقة بالأمن، لاسيما أن أنقرة دولة عضو في الناتو.
ودأبت أنقرة على إشعال نار الحرب في ليبيا، بمواصلة إرسال المرتزقة والأسلحة لمليشيات فايز السراج، رغم الحظر الدولي على تصدير الأسلحة إلى الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.
وفي القوقاز، سعت أنقرة لإشعال الحرب في إقليم ناغورني قره باغ، بإرسالها مرتزقة للقتال بجانب أذربيجان ضد أرمينيا.
وفي منطقة شرق المتوسط، حاولت تركيا أن تمضي قدما في التفتيش عن الطاقة، رغم خلافات حدودية قائمة مع اليونان، ولم تتراجع، إلا حين استشعرت خطورة فرض عقوبات أوروبية.
وفي وقت سابق، قال وزير الدفاع القبرصي شارالامبوس بيتريدس، إن الممارسات التركية في منطقة فاروشا تنتهك القوانين الدولية، ملوحا باقتراب فرض عقوبات أوروبية على أنقرة.
وقبل أسابيع، أعادت أنقرة فتح منتجع فاروشا الساحلي المهجور الذي أغلقه الجيش التركي بعد تقسيم جزيرة قبرص، في انتهاك واضح للقرارات الدولية خاصة تلك الصادرة من مجلس الأمن، وتصعيد متعمد في الجزيرة، ما أثار قلقا أوروبيا واسعا.
وأكد وزير الدفاع القبرصي، أن الممارسات التركية في البحر المتوسط تصطدم بسياسات الاتحاد الأوروبي.
وصعد بيتريدس من لهجته ضد أنقرة بالتأكيد على أن التحركات التركية في منطقة قبرص الاقتصادية تعد استفزازية وعدوانية غير مقبولة.
ومطلع أكتوبر/تشرين أول الماضي، اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي على إمهال تركيا حتى أوائل ديسمبر كانون الأول الجاري، قبل النظر في مسألة فرض العقوبات الاقتصادية.
إس 400
كانت تركيا قد قررت في ٢٠١٧، شراء منظومة إس ٤٠٠ من روسيا بعد تعثر جهودها المطولة في شراء أنظمة الدفاع الجوي "باتريوت" من الولايات المتحدة.
وبالفعل تسلمت أنقرة مرحلة من هذه المنظومة، الصيف الماضي، وسط مطالبات من واشنطن والدول الغربية بالتخلي عنها؛ لأن أنظمة الرادار الخاصة بهذه المنظومة يمكنها تسجيل بيانات المقاتلات الأمريكية ومن ثم حصول روسيا عليها.
ونهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هددت الولايات المتحدة، تركيا بـ"عواقب وخيمة" بعد إجراء الأخيرة اختبارا لمنظومة الصواريخ الروسية.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) جوناثان هوفمان إن "علاقات البلدين قد تتأثر بشكل كبير بعد إجراء الأخيرة اختبارا لمنظومة الصواريخ".
وأضاف هوفمان، في تصريحات صحفية، أن "نظام إس-400 لا يتوافق مع الالتزامات التي تعهدت بها تركيا كحليف للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي".
وتابع: "نحن نعارض قيام تركيا باختبار هذه المنظومة، وقد تكون لذلك عواقب وخيمة على علاقاتنا الدفاعية".
مخاوف الناتو
وكان حلف شمال الأطلسي (ناتو) وجه رسالة شديدة اللهجة لتركيا بعد تقارير بشأن استخدام نظام الدفاع الصاروخي الروسي "إس-400" خلال تدريبات للمرة الأولى، محذرا من تلك الخطوة.
وقالت متحدثة باسم الحلف، في تصريحات صحفية: "هذا النظام يمكن أن يمثل خطورة على طائرات الحلفاء وأن يؤثر على العلاقات بين شركاء الحلف".
وأعربت عن قلق الحلف حيال تلك التقارير، مطالبة أنقرة بالبحث عن حلول بديلة مع الحلفاء الآخرين.
وأكدت عدم إمكانية دمج نظام "إس-400" مع النظام الدفاعي الصاروخي والجوي للحلف العسكري، مؤكدة في الوقت ذاته أن اختبار النظام من خلال تركيا سيكون أمرا مؤسفا.
وكانت تقارير إعلامية تركية ذكرت في وقت سابق أن الحكومة في أنقرة اختبرت لأول مرة الصواريخ الروسية طراز أرض جو في ظروف تشغيل بالقرب من مدينة سينوب على البحر الأسود.
وسبق أن استبعدت الولايات المتحدة تركيا من برنامج طائرات إف 35، بسبب شراء تركيا نظام الدفاع الصاروخي الروسي، كما هددت بفرض عقوبات على أنقرة.
الإدارة الجديدة
ويبدو أن الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن يعتزم تبني موقف أشد صرامة من الرئيس دونالد ترامب مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان.
هذا ما تشير به إلى حد كبير تصريحات سابقة لبايدن خلال مقطع فيديو سابق تداوله نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، تعهد فيها بأن يجعل أردوغان "يدفع ثمنا باهظا"، ردا على تجاوزاته.
وفي فيديو نشره على "تويتر" في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، قال بايدن: "أمضيت آلافا وآلاف الساعات في غرفة العمليات وأمضيت ساعات عديدة على الأرض في تلك المناطق في سوريا وفي العراق، أتعلمون؟ قادتنا كلهم سابقون وحاليون خجلون مما يحصل هنا".
وأضاف: "تركيا هي المشكلة الحقيقية هنا وسيكون لي حوار مغلق حقيقي مع أردوغان وتعريفه بأنه سيدفع ثمنا باهظا على ما فعله، الآن أدفع هذا الثمن"، حسب ما ذكرت شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
ووصف مستشار السياسة الخارجية لبايدن، مايكل كاربنتر، في مؤتمر نظمته "المؤسسة الهيلينية للسياسة الأوروبية والخارجية"، سياسة تركيا الخارجية بأنها غير مسؤولة.
وأضاف كاربنتر أن السياسة الخارجية لأنقرة في منطقة الشرق الأوسط "تخلق مشاكل عديدة، وتتطلب الكثير من الاهتمام من إدارة الرئيس الجديد للولايات المتحدة جو بايدن، وكذلك التنسيق مع حلفائنا في الناتو".
وبيّن أن تركيا "تتصرف بطريقة غير مسؤولة وعدوانية وتقوّض ما نعتقد أنه مصالح مشتركة لنا، سواء كان ذلك في بحر إيجة أو ليبيا أو إقليم ناغورني قره باغ، أو عبر شراء نظام الدفاع الجوي الروسي إس 400، وجميعها لا تمثل أفعال دولة يفترض أنها حليف لنا".
aXA6IDMuMTQyLjQzLjI0NCA=
جزيرة ام اند امز