هناك تحفظات شعبية شديدة وسياسية جراء عملية التصويت المعتمدة على المناورة ومحاباة المتطرفين والمسلحين المنتشرين داخل تركيا.
يمضي أردوغان مدعوماً في البرلمان بأغلبية من نواب حزب العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية في توطيد أركان النظام الرئاسي الجديد، لكن أيا كان من شأن رئاسته ومهما كانت صلاحياته السلطوية فإنها لا ترقى إلى مستوى ديمقراطية الشعب، وبالمقابل لن يتحقق ما يطمح إليه أردوغان في سلطنة عثمانية جديدة.
مهما تواطأت مؤسسات وهيئات النظام التركي السياسية فلن يخفي الإعلام في الداخل التركي جرائمه التي نفذها بالتنسيق مع التنظيمات الإرهابية التي ألحقت دماراً واسعاً بالمنطقة وشتت شمل الشعوب العربية.
تبقى هناك تحفظات شعبية شديدة وسياسية جراء عملية التصويت المعتمدة على المناورة ومحاباة المتطرفين والمسلحين المنتشرين داخل تركيا وفي مناطق الشمال السوري، واقتراف القوات الأردوغانية عمليات البطش والإجرام، والتنكيل في منطقة عفرين ومناطق أخرى في محافظة إدلب، لا سيما دخول قوات جديدة وتعزيزات عسكرية للاحتلال التركي من معبر خربة الجوز بريف إدلب الغربي متوجهة إلى نقطة المراقبة في قرية اشتبرق.
ومنذ اندلاع الأزمة السورية وفتح الحدود التركية أمام السوريين والسماح بدخول الإرهابيين إلى الأراضي السورية يعيش نحو أربعة ملايين لاجئ، وحصول الآلاف منهم على الجنسية التركية، إلا أنهم يواجهون مخاوف وتحديات تخص وجودهم ومستقبلهم، عدا عن الضغوطات التي يلاقونها من الأتراك، وقد استثمرت الحكومة التركية هذه الأصوات في انتخابات الرئاسة بشكل مريب، وجنت ثمار سياسة الباب المفتوح، وترى المعارضة التركية أن محنة اللاجئين السوريين جاءت نتيجة لسياسة الحكومة وأعمالها الإرهابية على امتداد الأراضي السورية.
يعمد أردوغان إلى استمالة السوريين بمجرد أن يصبح اللاجئون مواطنين أتراكا سيكون بمقدورهم لا التصويت فحسب، بل الترشح للمناصب، ولن يكون من المستغرب أن ترشح الأحزاب السياسية مرشحين سوريين في الانتخابات المقبلة في مناطق مثل غازي عنتاب وكيليس وشانلي أورفا وأضنة وعثمانية وهاتاي وإسطنبول التي تعد موطناً لأكبر عدد من اللاجئين، لتتلاعب بمصيرهم وزجهم في تنظيمات إرهابية وفي صفوف القوات التركية لمقاتلة السوريين على أرض سوريا.
ولا يزال نسبة 10 بالمائة من السوريين يعيشون اليوم في مخيمات اللجوء، حيث ينتشر الباقون في جميع أنحاء تركيا، ويعيشون ظروفاً صعبة، أما العاطلون عن العمل فدخلهم الوحيد هو 100 ليرة تركية -28 دولاراً - شهرياً، يحصل عليها كل لاجئ من خلال بطاقات السحب الآلي، ويُعتقد أن المساعدة الاجتماعية أقامت جسراً بين حزب العدالة والتنمية واللاجئين، ولكن العديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية الأخرى أثّرت على حياة السوريين الذين يعانون من مشكلات لا حصر لها يومياً، ويواجهون صعوبات التكيف، ويعيشون في مجموعات في المدن الكبيرة، وغالباً ما يقابلون بالرفض من السكان المحليين.
يقول أحد اللاجئين الأتراك أمام القنصلية التركية في برلين وقبل إغلاق صناديق الاقتراع: "اعتلى أردوغان قمة السلطة منذ ستة عشر عاماً، لقد سئمنا منه، بالنسبة لي يتعلق الأمر بحرية الصحافة والديمقراطية والقمع الذي تمارسه الدولة، لقد سئمنا كل ذلك، نريده أن يرحل".
ثمة تساؤلات عديدة، هل يغير أردوغان من سياساته الهوجائية مع الأطراف الإقليمية والدولية، حيث تمثل مسيرته السياسية نموذجاً فريداً للسياسي المناور والمتهور والشرس الذي يعرف كيف يتلون مع خصومه وكيف يحابيهم.
وينطلق أردوغان في سياسته المتقلبة ومواقفه المتناقضة من اعتبارين اثنين؛ الأول داخلي ويتمثل بالتيار الإخواني الذي يدعمه ويسانده بطرق عديدة، رغم أنه على النقيض من العلمانية التي قربت تركيا من الغرب، والاعتبار الثاني خارجي ويتمثل بانخراط تركيا في حلف شمال الأطلسي كمخلب قط في مواجهة روسيا، وما بين الاعتبارين يتوارى داخل عقله طيف أجداده من سلالة آل عثمان، لاستعادة أمجادهم الغابرة، وهذه الرغبة الجامحة تلاشت وانهارت على امتداد العالم العربي، نتيجة لسقوط هذه التجربة في معظم البلدان العربية، وبخاصة في مصر، لذلك يحاول الرئيس التركي الموازنة بين الاعتبارين واللعب بطرق ملتوية.
ويتعامل أردوغان مع كل الأدوار، ويشكل طرفاً في كل الحوارات المتعلقة في الملف السوري، ودون أن يغيب عنها، فوجود قواته على الأراضي السورية بمثابة وجود لقوات حلف شمال الأطلسي، فهو يعتمد على الحلف الأطلسي، مع رغبته في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولقد عززت الولايات المتحدة القوات المسلحة التركية، بحيث أصبحت تمتلك أكبر قوة برية تقليدية غير نووية بعد ألمانيا في حلف الناتو، كما أن موقع تركيا القريب من منابع النفط يعطيها ميزة كقاعدة استراتيجية، ويسمح للولايات المتحدة بالسيطرة على معظم الطرق الجوية والبرية المباشرة بين الأقطار العربية والدول المجاورة وأفريقيا، ويمنحها عديدا من القواعد الجوية والبحرية اللازمة لتسهيل مهمات حلف الناتو، ويجعلها قادرة على تركيز وسائط الرصد والإنذار المبكر ومحطات التجسس لمراقبة التحركات العسكرية لدول الجوار.
هناك بعض التغييرات في المسألة السورية، وقد تتوصل تركيا إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن إنشاء فضاء موحد للمعارضة شمالي وشمال شرقي سوريا، وبطبيعة الحال ستقوم تركيا بتنسيق هذه القضية في إطار حوار مع الإدارة الأمريكية، وليس ضمن إطار أستانا مع روسيا وإيران، اعتماداً على مدى إيجاد أردوغان وترامب لغة مشتركة فيما بينهما عاجلاً أم آجلاً، ولا يتم الضغط على تركيا، فهي لا تزال عضواً في الناتو ولاعباً رئيسياً في المنطقة، وسوف تبدأ الولايات المتحدة باستعادة العلاقات معها بشكل كامل.
وليعلم أردوغان أن الإسلام حافظ على كثير من القيم الإنسانية الكريمة والنبيلة، بل أضاف إليها مفاهيم ذات قيم روحية مادية وسامية، وبخاصة ما يتعلق بكرامة الإنسان وحرمته، ومهما تواطأت مؤسسات وهيئات النظام التركي السياسية فلن يخفي الإعلام في الداخل التركي جرائمه التي نفذها بالتنسيق مع التنظيمات الإرهابية التي ألحقت دماراً واسعاً بالمنطقة وشتت شمل الشعوب العربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة