العدوان التركي على سوريا.. "نبع" ملطخ بالدماء والتشريد والتدمير
عائلات يائسة أجبرها الاجتياح التركي شرق الفرات شمالي سوريا على إخلاء منازلها خوفا من الموت
طوابير من السيارات تتابع ببطء رتيب مغادرة مدينة رأس العين السورية على الحدود مع تركيا، وعلى متنها العشرات من المدنيين، بينهم نساء وأطفال ورضع، ممن تكدسوا محبطين ويائسين من العثور على مرفأ سلام.
عائلات يائسة أجبرها الاجتياح التركي شرق الفرات شمالي سوريا على إخلاء منازلها خوفا من الموت.
ووفق مقاطع فيديو توثّق محنة هؤلاء الفارين من عدوان الجيش التركي، بدت جموع المدنيين الفارة تائهة تراقب أعمدة الدخان الضخمة التي حولت السماء إلى كتلة داكنة، لا تقشعها سوى تلك الأجساد المتكومة داخل العربات المتتابعة، عاجزة عن استيعاب ما يحصل أو ما حدث، أو المغزى من العدوان التركي على أراضيهم.
كل ما يريدونه هو الهروب بحثا عن مكان آمن مع أنهم لا يعرفون تحديدا أين يوجد الأمان في وقت حولت فيه القوات التركية المنطقة إلى جحيم.
وبدأ الهجوم التركي بغارات جوّية محدودة استهدفت بلدة رأس العين ومحيطها بمحافظة الحسكة، قبل أن يطال قصف مدفعي مدناً وقرى عدّة على طول الشريط الحدودي، في موقع تخطط أنقرة لإقامة "منطقة آمنة" فيها تُعيد إليها اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها، فتتخلص منهم من جهة، وتضرب الأكراد عدوها اللدود من جهة أخرى، وتضمن فرار مقاتلي "داعش" من سجون القوات الكردية من جهة ثالثة.
أما قوات سوريا الديمقراطية، فأعلنت الخميس، تصديها لمحاولات قوات أردوغان التوغل في مناطق سيطرتها، فيما تواصل القصف التركي العنيف مستهدفا مدنا وقرى، ما دمر البنية التحتية، وفجر موجة جديدة من النزوح.
مدنيون وعناصر المقاومة.. مجازر أردوغان
228 من المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم أنقرة إرهابيين لقوا حتفهم، في يوم من العدوان التركي على الشمال السوري، وفق ما أعلنه إعلام تركي رسمي.
فيما تحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مقتل جندي تركي في اشتباكات بمنطقة تل أبيض، بالإضافة لمقتل 6 مقاتلين من الفصائل الموالية لأنقرة.
في الأثناء، جددت القوات التركية قصفها البري على مدينة القامشلي، ما أسفر عن إصابة العديد من المدنيين والعسكريين، وفق المرصد الذي كشف أيضا أن مجموعة من الفصائل الموالية لتركيا تعرضت بالضرب والشتائم لأهالي قرية الدادات بمنطقة تل أبيض بعد سيطرتهم على القرية، وعمدت إلى سرقة ممتلكات مواطنين واعتقال آخرين.
خسائر العدوان التركي لم يقتصر على سوريا، بل سرت عدواه إلى مناطق وقرى حدودية، حيث قتل اثنان من المدنيين، أحدهما طفل رضيع للاجئ سوري، في قصف قال إعلام تركي إنه استهدف منطقة "أقجة قلعة" الحدودية مع سوريا.
فيما أعلن والي شانلي أورفة التركية، استشهاد مدنيين أحدهما طفل رضيع للاجئ سوري في القصف الذي شنه تنظيم "ي ب ك" الإرهابي على منطقة "أقجة قلعة" الحدودية.
كما قتلت طفلة تركية في الـ11 من عمرها، جراء سقوط قذائف هاون من الأراضي السورية على منطقة جيلان بينار الحدودية بولاية شانلي أورفة جنوب شرقي البلاد.
ولفظت الطفلة أنفاسها إثر إصابتها في صدرها بشظايا قذائف بينما كانت تلعب بالحي الذي تقطن فيه، وتم نقلها إلى المستشفى إلا أنها فارقت الحياة رغم تدخل الطواقم الطبية، لتدفع الطفولة فاتورة أطماع أردوغان.
المحصلة طالت أيضا 9 مدنيين ممن أصيبوا في إطلاق قذائف من الجانب السوري على مناطق تركية مختلفة بمحاذاة الحدود.
في الأثناء، أفاد شهود عيان بأنه منذ بدء العدوان التركي، مساء الأربعاء، انقطع التيار الكهربائي والماء بالعديد من القرى والمدن الحدودية، وشوهدت مباني وهي تحترق، فيما فر السكان من منازلهم، وعمت حالة من الهلع والفوضى، في مشهد أعاد للأذهان ما حصل خلال عمليتي أنقرة الأولى "درع الفرات" والثانية "غصن الزيتون"، وما خلفتاه من دمار للبنية التحتية والبشرية.
تغيير ديمغرافي وخطط توسعية
من بين الأهداف المعلنة للعدوان التركي، تفعيل مسودة إعادة توطين اللاجئين السوريين، معتمدا في ذلك على إحصائيات مغلوطة لعدد اللاجئين على أراضي بلاده، ولذلك، يسعى لزيادة التوغل متجاوزاً مساحة المنطقة الآمنة التي يخطط لإقامتها شمال شرقي سوريا بعمق 32 كيلومتراً.
من بين الأهداف المعلنة للعدوان التركي، تفعيل مسودة إعادة توطين اللاجئين السوريين، معتمدا في ذلك على إحصائيات مغلوطة لعدد اللاجئين على أراضي بلاده، ولذلك، يسعى لزيادة التوغل متجاوزاً مساحة المنطقة الآمنة التي يخطط لإقامتها شمال شرقي سوريا بعمق 32 كيلومتراً.
لكن ما لم يعلنه الرئيس التركي هو أن معظم اللاجئين السوريين في تركيا ممن يخطط لنقلهم إلى "المنطقة الآمنة" ينحدرون من غربي سوريا، ما يعني أن تفعيل خطته سينجم عنه تغيير هائل في التركيبة السكانية، وهذا يدخل في إطار خطته التوسعية، من خلال خلق فصل ديمغرافي يؤمن له الطريق نحو الرفع في نسبة الأراضي الخاضعة له، والمقدرة حاليا بنحو 2 بالمئة من الأراضي السورية.
أردوغان يريد أيضا إعادة توطين السوريين في المناطق الكردية، وهذا ما تحدثت عنه قيادية حزبية تركية تدعى، كلاوديا روت، حين أشارت إلى أن "أنقرة تخطط على المدى المتوسط لإعادة توطين ملايين اللاجئين السوريين في مناطق ذات أغلبية كردية"، أي تدمير الإدارة الذاتية الكردية، وحيازة أكبر قدر ممكن من التأثير فيما يخص إعادة رسم سوريا.