تركيا ومن خلال الإصرار على تحويل المقاتلين السوريين والمتطرفين الموالين لها إلى مرتزقة يتم الزج بهم إلى ساحات القتال المختلفة.
أصبح المرتزقة من العناصر المتطرفة والراديكالية أداة رئيسية من الأدوات التي توظفها تركيا للتدخل في مناطق النزاعات المختلفة لفرض نفوذها أو لتحقيق أهدافها المشبوهة. ظهر هذا بوضوح في سوريا في البداية عندما فتحت أنقرة حدودها أمام تدفق المقاتلين الأجانب لقتال قوات الجيش السوري، ثم تأكد في ليبيا مع إرسال أنقرة لآلاف المرتزقة إلى هناك كجزء من اتفاقها مع ما تسمى حكومة الوفاق لقتال قوات الجيش الوطني الليبي، قبل أن يصل الأمر إلى أرمينيا، التي اتهمت هي والعديد من المسؤولين الدوليين أنقرة بإرسال المرتزقة السوريين للقتال بجانب أذربيجان في نزاعها العسكري الذي احتدم منذ أواخر الشهر الماضي مع أرمينيا على إقليم ناغورني كاراباخ أو "قره باغ".
هذا السلوك الذي بات يمثل سمة أساسية من سمات السياسة التركية، تسعى من خلاله أنقره إلى الحفاظ على ما تعتبره مصالحها الاستراتيجية وأن يكون لها كلمة أو دور في العديد من المناطق والصراعات التي تنخرط فيها، من دون أن تتعرض لخسائر بشرية أو استراتيجية كبيرة مقارنة بتلك التي يتوقع أن تحدث إذا انخرطت بشكل مباشر بقواتها النظامية في هذه الصراعات. ويبدو أن أنقرة تحاول في هذا المجال تكرار أو الاستفادة من تجارب قوى إقليمية أخرى استثمرت لسنوات في تشكيل الميليشيات المسلحة الموالية لها والتي باتت تشكل أدوات هدم للدول الوطنية التي تتواجد فيها.
وهذا التوظيف التركي للمرتزقة الأجانب، بصرف النظر عما يمثله من تعارض صارخ مع القيم الأخلاقية والإنسانية؛ حيث تستغل تركيا حاجة المرتزقة السوريين التابعين لها للمال لإرسالهم إلى جبهات صراع لا علاقة لهم بها، وعما يشكله أيضاً من انتهاك لمبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الدولية والتعاون بين الدول، والتي تلزم الدول بالامتناع عن تنظيم وتشجيع الأعمال الإرهابية على أراضي دولة أخرى وانتهاك سيادتها.. بصرف النظر عن كل ذلك، فإن هذا السلوك جعل من أنقرة عنصر عدم استقرار إقليمي في الكثير من المناطق التي تتدخل بها، ودولة منبوذة إقليمياً ودولياً.
وهذا الأمر تؤكده ردود الفعل الدولية الحازمة على خطوة قيام أنقرة بإرسال المرتزقة السوريين لجبهة "قرة باغ"، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وصف هذه الخطوة بأنها تطور "خطير للغاية"، معتبراً أن أنقرة بذلك تجاوزت "خطاً أحمر"، وطالب حلف شمال الأطلسي بمواجهة تصرفات أنقرة العضو في الحلف. كما حذّر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، تركيا من هذا السلوك، معتبراً أن إرسال المرتزقة السوريين إلى منطقة النزاع في إقليم قره باغ، سيؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في هذا الإقليم. وتزامن ذلك مع تحركات في الكونجرس الأمريكي لاتخاذ إجراءات عقابية ضد أنقرة واذربيجان.
إن تركيا ومن خلال سلوكها هذا المسلك والإصرار على تحويل المقاتلين السوريين والمتطرفين الموالين لها إلى مرتزقة يتم الزج بهم إلى ساحات القتال المختلفة ترسل رسالة واضحة بأنها أصبحت دولة مثيرة للفتن والصراعات في محيطها والعالم، وأنها لا تتوانى عن انتهاك أية قيم أخلاقية أو أعراف دولية إذا رأت في ذلك مصلحة لها، كما تثبت من خلال هذا السلوك أنها لا تتعلم من دروس وتجارب آخرين بجوارها لجأوا إلى توظيف الميليشيات والمرتزقة فلم يجنوا سوى العزلة الإقليمية والعقوبات الدولية. وهذا بالضبط ما أصبحت تعانيه تركيا اليوم في محيطها الإقليمي والدولي بسبب سياساتها المزعزعة للاستقرار، والمبنية بالأساس على توظيف المرتزقة والزج بهم في النزاعات المختلفة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة